الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ } يعني من غزوة بني لحيان ثمّ بني المصطلق، وهم حي من هذيل { لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ).



{ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } فعزّة اللّه سبحانه قهر مَن دونه، وعزّ رسوله إظهار دينه على الأديان كلّها، وعزّ المؤمنين نصره إيّاهم على أعدائهم فهم ظاهرون.

وقيل: عزّة اللّه: الولاية، قال اللّه تعالىهُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ } [الكهف: 44] وعزّة الرسول: الكفاية قال اللّه سبحانه:إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } [الحجر: 95] وعزّ المؤمنين: الرفعة والرعاية قال اللّه سبحانه:وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران: 139] وقالوَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب: 43].

وقيل: عزة اللّه الربوبية، وعزّة الرسول: النبوّة. وعزّة المؤمنين: العبودية.

وكان جعفر الصّادق يقول: " من مثلي وربّ العرش معبودي، من مثلي وأنت لي ".

وقيل: عزّة اللّه خمسة: عزّ الملك والبقاء، وعزّ العظمة والكبرياء، وعزة البذل والعطاء، وعزّ الرفعة والغناء، وعزّ الجلال والبهاء، وعزّ الرسول خمسة: عزّ السبق والابتداء، وعزّ الأذان والنداء، وعزّ قدم الصدق على الأَنبياء، وعزّ الاختيار والاصطفاء، وعزّ الظهور على الأعداء، وعزّ المؤمنين خمسة: عزّ التأخير بيانه: نحن السابقون الآخرون، وعزّ التيسير بيانه:وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [القمر: 17]يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ } [البقرة: 185]، وعزّ التبشير بيانه:وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً } [الأحزاب: 47]، وعزّ التوقير بيانه:وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ } [آل عمران: 139]، وعزّ التكثير وبيانه: إنهم أكثر الأُمم.

{ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ } لا تشغلكم { أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } قال المفسرون: يعني الصلوات الخمس، نظيره قوله سبحانه:رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ } [النور: 37] الآية.

{ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ } أمهلتني يجوز أن يكون (لا) صلة، فيكون الكلام بمعنى التمنّي، ويجوز أن يكون بمعنى هلاّ فيكون استفهاماً.

{ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } يعني مثل ما أجلت في الدنيا، { فَأَصَّدَّقَ } فأتصدّق وأزكّي مالي.

{ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } المؤمنين نظيره قولهوَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ } [الرعد: 23] هذا قول مقاتل وجماعة من المفسرين، وقالوا: نزلت هذه الآية في المنافقين.

وقيل: الصالح ها هنا: الحج، والآية نازلة في المؤمنين.

روى الضّحاك وعطية عن إبن عبّاس قال: ما من أحد يموت وكان له مال ولم يؤدِّ زكاته وأطاق الحجّ ولم يحجّ إلاّ سأل الرجعة عند الموت فقالوا: يا بن عبّاس اتّق اللّه فأنّما نرى هذا الكافر سأل الرجعة فقال: أنا أقرأ عليكم قرآناً، ثم قرأ هذه الآية الى قوله { فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } قال: أحجّ، أخبرناه إبن منجويه قال: حدّثنا إبن حمدان قال: حدّثنا إبن سهلويه قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثنا عبد الرزّاق قال: أخبرنا الثوري عن يحيى بن أبي حيّة عن الضّحاك عن إبن عبّاس.

السابقالتالي
2