قوله تعالى: { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } إلى آخرها. معناه: ورب الليل إذا غشى النهار بظلمته فأذهب ضوءه. وقيل: المعنى: يغشى كل شيء بظلمته فيصير له كالغشاء. ثم قال تعالى: { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ }. أي: (إذا) أضاء وأظهر للأبصار ما أخفته ظلمة الليل. وكان قتادة يذهب - فيما أقسم الله به من الأشياء - أنه إنما أقسم به لعظم حاله عنده. (ثم قال تعالى): { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ }. قيل: " ما " بمعنى " من " ، يريد نفسه تعالى جل ذكره. وقيل: " ما " والفعل مصدر، أي: وخلق الذكر والأنثى. (وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: والذكر والأنثى) بالخفض بغير " ما ". وأجاز الفراء: وما خلق الذكر والأنثى بالخفض على البدل من " ما ". وقال الأخفش: " ما " بمعنى " الذي " ، جعلها لمن يعقل. وروي عن أبي [عمرو] أنه قال: أهل مكة يقولون للرعد: سبحان من سبحت له. وقوله: { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } هذا جواب القسم أي: إن عملكم لمختلف أيها الناس، لأن منكم الكافر والمؤمن، والعاصي والمطيع. وقوله: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي: من أعطى في سبيل الله ومرضاته، واتقى الله فاجتنب المعاصي، وصدق بالجنة. قاله مجاهد. وقال ابن عباس: من أعطي ما عنده من الفضل واتقى ربه. وقال قتادة: من أعطى حق الله واتقى محارمه. وقال عباس: - وهو مروي عن مجاهد أيضاً -. { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي: وصدق بالخلف من الله جل وعز على نفقته في ذات الله. وقال الضحاك: { بِٱلْحُسْنَىٰ } " بـ لا إله إلا الله " وروي ذلك (أيضاً) عن ابن عباس، وقاله [أبو] عبد الرحمن السلمي. وقال قتادة: { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } [أي]: بموعود الله جل وعز على نفقته، فعمل / لذلك الموعود الذي وعده الله. وروى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من يوم غربت فيه شمسه إلا [وبجنبيها] ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين - الجن والإنس - يقولان: اللهم عجل لمنفق خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً وأنزل الله جل وعز في ذلك من القرآن: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } ". (وروى الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من صباح يصبح إلا وصارخ يصرخ: أيها الخلائق، سبحوا القدوس ". وروى أبو ذر) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من يوم ولا ليلة ولا ساعة إلا ولله فيها صدقة يمن بها على من يشاء من عباده. وما من الله على عبده بمثل أن يلهمه ذكره ".