الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

وفيه إشراقات:

الإشراق الأوّل

فيما قيل في معنى الآية

قالوا: أخبر الله عن جماعة عادلين قابَلوا أكرم الكرمَ بألومَ اللوم، وباعوا أنفس النَفيس بأخَسّ الخسيس، فقال: { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً } - أي إذا عاينوا ذلك، أو علموا بعلامة وهي الطبل - عن مجاهد، - أو المزامير - عن جابر -.

{ ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } - أي تفرّقوا عنك خارجين إليها. وعن الفرّاء: مالوا إليها. والضمير للتجارة، وإنّما خصّت بإرجاع الضمير إليها لأنها كانت أهمّ إليهم وهم بها أسرّ وأفرَح من الطبل، لأنّ الطبل إنّما دلَّ على التجارة.

وقيل: عاد الضمير إلى أحدهما اكتفاءً به، وكأنّه على حذف، والمعنى: وإذا رأوا تجارة انفضُّوا إليها، وإذا رأوا لهواً انفضّوا إليه، فحذف " إليه " لأنّ " إليها " دالٌّ عليه.

وروي أنّ أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء شديد، فقدم دِحْية بن خليفة بتجارة من زيت الشام، والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب يوم الجمعة، فقاموا إليه خشية أن يسبقوا إليه، فما بقي معه إلاّ يسير، قيل: ثمانية - عن الكلبي -، وقيل: أحد عشر - عن ابن كيسان -، وقيل: إثنا عشر - " عن جابر بن عبد الله، قال: أقبلت عير ونحن نُصلّي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الجمعة، فانفضَّ الناسُ إليها، فما بقي غير إثنا عشر رجلاً أنا فيهم. وقيل: أربعون، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): والذي نفس محّمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده، لو خرجوا جميعاً لأضرم الله عليهم الوادي ناراً ".

وكانوا إذا أقلبت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق، فهو المراد باللهو، فعلى هذا تعيّن إرجاع الضمير إلى التجارة لأنّها كانت مقصودهم الأصلي، وكان الطبل طريق اطّلاعهم عليها.

وعن قتادة ومقاتل: فعَلوا ذلك ثلاث مرّات في كلّ يوم لعير تقدم من الشام، وكلّ ذلك وافَق يوم الجمعة.

" وقال المقاتلان: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب يوم الجمعة، إذ قدم دحية بن خليفة بن فروة الكلبي، ثمّ أحدُ بني الخزرج، ثمّ أحَدُ بين زيد بن مناة بتجارة من الشام، وكان إذا قدم لم يبق بالمدينة إلاَّ آتيه، وكان يقدم إذا قدم بكلّ ما يحتاج إليه من دقيق أو بُرٍّ أو غيره، فينزل عند أحجار الزيت - وهو مكان في سوق المدينة -، ثمّ يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه، فيخرج إليه الناس ليتبايعوا معه، فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم على المنبر يخطب، فخرج الناس فلم يبق في المسجد إلاّ اثنا عشر رجلاً وامرأة، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة من السماء، وأنزل الله هذه الآية ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد