الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }

وكلمة له تفيد النفعية، فإذا قلت " لك كذا " فهي عكس أن نقول " عليك كذا ". وحين يقول سبحانه: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ.. } [الرعد: 11]. فكأنَّ المُعقِّبات لصالح الإنسان. و " مُعقِّبات " جمع مؤنث، والمفرد " مُعقِّبة " ، أي: أن للحق سبحانه وتعالى ملائكة يتناوبون على حراسة الإنسان وحِفْظه ليلاً ونهاراً من الأشياء التي لا يمكن الاحتراز منها. والمَثَلُ هو تلك الإحصاءات التي خرجت عن البشر الذين تلدغهم الثعابين، فقد ثبت أنها لا تلدغهم وهم نائمون بل في أثناء صَحْوتهم أي: ساعةَ يكونون في ستْر النوم فهناك ما يحفظهم أما في اليقظة فقد يتصرَّف الإنسان بطَيْشٍ وغَفْلة فتلدغه الأفعى. ونحن نقول في أمثالنا الشعبية: " العين عليها حارس " ونلحظ كثيراً من الأحداث التي تبدو لنا غريبة كأنْ يسقط طفل من نافذة دور عُلوي فلا يُصَاب بسوء لأن الحق سبحانه شاء أن تحفظه الملائكة المُعقِّبات من السُّوء لأن مهمة الحَفَظة أنْ يحفظوا الإنسان من كُلِّ سوء. وهكذا نرى أن الحق سبحانه قد أعدَّ للإنسان الكونَ قبل أن يخلقه ليستخلفه فيه أعدَّ السماوات وأعدَّ الأرض وسَخَّر الشمس والقمر وأخرج الثمراتِ وجعل الليل يَغْشَى النهارَ. كُلُّ ذلك أعدَّه سبحانه للخليفة قبل أن يوجد الخليفة وهو سبحانه قَيُّوم على هذا الخليفة فيصونه أيضاً بعد الخَلْق، ولا يَدَعُه لمقومات نفسه ليدافع عنها فيما لا يستطيع الدفاع عنها، ويُكلِّف الله الملائكة المُعقِّبات بذلك. وقد ينصرف معنى المُعقِّبات إلى الملائكة الذين يتعقَّبون أفعال الإنسان وكتابة حسناته وكتابة سيئاته، ويمكن أن يقوما بالعملين معاً حِفْظه وكتابة أعماله، فإن كتبوا له الحسنات فهذا لصالحه. ولقائل أن يقول: ولكنهم سيكتبون السيئات وهذه على الإنسان وليست له. وأقول: لا ويَحْسُن أن نفهم جيداً عن المُشرِّع الأعلى ونعلم أن الإنسان إذا ما عرف أن السيئة ستُحْسب عليه وتُحْصى وتُكتب يمسك كتابه ليقرأه فلسوف يبتعد عن فعل السيئات. وهكذا يكون الأمر في مصلحته، مَثَلُه مَثَلُ الطالب الذي يرى المراقب في لجنة الامتحان، فلا يكرهه لأنه يحمي حَقَّه في الحصول على التقدير الصحيح بدلاً من أن يِِغُشَّ غيره، فيأخذ فرصة أكبر منه في التقدير والنجاح فضلاً عن أن كل الطلبة يعلمون أن وجود المراقب اليَقِظ هو دافعٌ لهم لِلمُذَاكرة. ولذلك أقول دائماً: إياك أنْ تكره أن يكون لك أعداء لأن الذي يَغُرُّ الإنسانَ في سلوكه هو نفاقُ أصحابه له، أما عدوك فهو يفتح عينيه عليك طوال الوقت ولذلك فأنت تحذر أن تقع في الخطأ. وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
عِدَاي لَهُمْ فَضْل عليَّ ومَيْزَةٌ   فتعدَّى لَهُم شُكْر عَلى نَفْعِهم لِياَ
فَهم كَالدَّواءِ والشِّفَاءِ لِمُزْمنٍ   فَلا أبعدَ الرحْمَانُ عنِّي الأعَادِيَا
هُمْ بَحثُوا عَنْ زَلَّتي فاجتْنبْتُهَا   فَأصْبَحتُ مِمَّا ذله العربُ خَاليَا

السابقالتالي
2 3 4