الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }

موقع هذه الجملة موقع التعليل والبيان لجملةوكلاًّ وعد الله الحسنى } الحديد 10. وما بينهما اعتراض، والمعنى أن مثل المنفق في سبيل الله كمثل من يُقرض الله ومَثَلُ الله تعالى في جزائه كمثل المستسلف مع من أحسن قرضه وأحسن في دفعه إليه. و { من } استفهامية كما هو شأنها إذا دخلت على اسم الإشارة والموصول، و { الذي يقرض } خبرها، و { ذا } معترضة لاستحضار حال المقترض بمنزلة الشخص الحاضر القريب. وعن الفراء ذا صلة، أي زائدة لمجرد التأكيد مثل ما قال كثير من النحاة إن ذا في ماذا ملغاة، قال الفراء رأيتها في مصحف عبد الله { منذا الذي } والنون موصولة بالذال اهــــ. والاستفهام مستعمل في معنى التحريض مجازاً لأن شأن المحرِّض على الفعل أن يبحث عمن يفعله ويتطلب تعيينه لينوطه به أو يجازيه عليه. والقرض الحسن هو القرض المستكمل محاسن نوعه من كونه عن طيب نفس وبشاشة في وجه المستقرض، وخلو عن كل ما يعرِّض بالمنة أو بتضييق أجل القضاء. والمشبّه هنا بالقرض الحسن هو الإِنفاق في سبيل الله المنهيُّ عن تركه في قولهوما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله } الحديد 10. وقرأ الجمهور { فيضاعفه } بألف بعد الضاد. وقرأه ابن كثير وابن عامر ويعقوب { فيضعِّفه } بدون ألف وبتشديد العين. والفاء في جملة { فيضاعفه له } فاء السببية لأن المضاعفة مسببة على القرض. وقرأ الجمهور فعل { يضاعفُه } مرفوعاً على اعتباره معطوفاً على { يقرض }. والمعنى التحريض على الإِقراض وتحصيل المضاعفة لأن الإِقراض سبب المضاعفة فالعمل لحصول الإِقراض كأنه عمل لحصول المضاعفة. أو على اعتبار مبتدأ محذوف لتكون الجملة اسمية في التقدير فيقع الخبر الفعلي بعد المبتدأ مفيداً تقوية الخبر وتأكيد حصوله، واعتبارِ هذه الجملة جواباً، لــــ مَن الموصولة بإشراب الموصول معنى الشرط وهو إشراب كثير في القرآن. وقرأه حفص عن عاصم وابن عامر ويعقوب ـــ كل على قراءته ـــ بالنصب على جواب الاستفهام. ومعنى { وله أجر كريم } أن له أنفس جنس الأجور لأن الكريم في كل شيء هو النفيس، كما تقدم في قوله تعالىإني ألقيّ إلي كتاب كريم } في سورة النمل 29. وجعل الأجر الكريم مقابل القرض الحسن فَقُوبِل بهذا موصوف وصفته بمثلهما. والمضاعفة مماثلة المقدار، فالمعنى يعطيه مثلي قرضه. والمراد هنا مضاعفته أضعافاً كثيرة كما قالمثلُ الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل } الآية في سورة البقرة 261. وقالمن ذا الذي يُقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } البقرة 245. وضمير النصب في { يضاعفه } عائد إلى القرض الحسن، والكلام على حذف مضاف تقديره فيضاعف جزاءه له. لأن القرض هنا تمثيل بحال السلف المتعارف بين الناس فيكون تضعيفه مثل تضعيف مال السلف وذلك قبل تحريم الربا.

السابقالتالي
2