الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ }

قال الإِمام القرطبى قوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } لما أمر الله المسلمين بترك موالاة المشركين، واقتضى ذلك مهاجرة المسلمين عن بلاد الشرك إلى بلاد الإِسلام، وكان التناكح من أوكد أسباب الموالاة، فبين - سبحانه - أحكام مهاجرة النساء. قال ابن عباس جرى الصلح مع مشركى قريش عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم، فجاءت سعيدة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب، والنبى - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية بعدُ، فأقبل زوجها - وكان كافرا.. فقال يا محمد، اردد على امرأتى، فإنك شرطت ذلك، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية. وقيل " جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط، فجاء أهلها يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يردها. وقيل هربت من زوجها عمرو بن العاص ومعها أخواها فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخويها وحبسها، فقالوا للنبى - صلى الله عليه وسلم - ردها علينا للشرط، فقال " كان الشرط فى الرجال لا فى النساء " فأنزل الله هذه الآية ". والمعنى يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان، { إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } ، من دار الكفر الى دار الإِيمان، وراغبات فى فراق الكافرين، والبقاء معكم. { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } أى فاختبروهن اختبارا يغلب معه الظن بأنهن صادقات فى هجرتهن وفى إيمانهن، وفى موافقة قلوبهن لألسنتهن. وقد ذكر ابن جرير فى كيفية امتحانهن صيغا منها ما جاء عن ابن عباس أنه قال كانت المرأة إذا أتت رسول الله - صلى الله عليها وسلم - حلفها بأنها ما خرجت بغضا لزوجها، ولا رغبة فى الانتقال من أرض إلى أرض، ولا التماسا لدنيا، وإنما خرجت حبا لله ولرسوله. وجملة { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } معترضة لبيان أن معرفة خفايا القلوب، مردها إلى الله - تعالى - وحده. قال صاحب الكشاف قوله { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } أى منكم، لأنكم لا تكسبون فيه علما تطمئن معه نفوسكم، وإن استحلفتموهن ودرستم أحوالهن، وعند الله حقيقة العلم به. والمراد بالعلم فى قوله - تعالى - { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } الظن الغالب. أى فإن غلب على ظنكم بعد امتحانهن أنهن مؤمنات صادقات فى إيمانهن، فأبقوهن عندكم، ولا ترجعوهن إلى أزواجهن أو إلى أهلهن من الكفار. وسمى الظن القوى علما للإِيذان بأنه كالعلم فى وجوب العمل بمقتضاه، وإنما رد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الرجال الذين جاءوه مؤمنين بعد صلح الحديبية، ولم يرد النساء المؤمنات، لأن شرط الرد كان فى الرجال ولم يكن فى النساء - كما سبق أن ذكرنا نقلا عن القرطبى -، ولأن الرجل لا يخشى عليه من الفتنة فى الرد ما يخشى على المرأة، من إصابة المشرك إياها، وتخويفها، وإكراهها على الردة.

السابقالتالي
2 3 4 5