الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ } * { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ }

والمراد بضرب المثل. إيراد حالة غريبة، ليعرف بها حالة أخرى مشابهة لها فى الغرابة. وقوله { مَثَلاً } مفعول ثان لضرب، والمفعول الأول { ٱمْرَأَتَ نُوحٍ... }. والمتدبر للقرآن الكريم، يراه قد أكثر من ضرب الأمثال، لأن فيها تقريبا للبعيد، وتوضيحا للغريب وتشبيه الأمر المعقول بالأمر المحسوس، حتى يرسخ فى الأذهان... أى جعل الله - تعالى - مثلا لحال الكافرين، وأنه لا يغنى أحد عن أحد { ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ } عليهما السلام. وعدى الفعل { ضَرَبَ } باللام، للإِشعار بأن هذا المثل إنما سيق من أجل أن يعتبر به الذين كفروا، وأن يقلعوا عن جهالاتهم التى جعلتهم يعتقدون أن أصنامهم ستشفع لهم يوم القيامة. وقوله - تعالى - { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا... } بيان لحال هاتين المرأتين، ولما قامتا به من أفعال شائنة، تتنافى مع صلتهما بهذين النبيين الكريمين.. والمراد بالتحتية هنا كونهما زوجين لهذين النبيين الكريمين، وتحت عصمتهما وصيانتهما، وأشد الناس التصاقا بهما. وقال - سبحانه - { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ... } للتعظيم، أى كانتا فى عصمة نبيين لهما من سمو المنزلة ما لهما عند الله - تعالى -. ووصفهما - سبحانه - بالصلاح، مع أنهما نبيان والنبوة أعظم هبة من الله لعبد من عباده - للتنويه بشأن الصالحين من الناس، حتى يحرصوا على هذه الصفة، ويتمسكوا بها، فقد مدح الله - تعالى - من هذه صفته فى آيات كثيرة، منها قوله - تعالى -وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } وخيانة امرأة نوح له، كانت عن طريق إفشاء أسراره، وقولها لقومه إنه مجنون. وخيانة امرأة لوط له، كانت عن طريق إرشاد قومه إلى ضيوفه.. مع استمرار هاتين المرأتين على كفرهما.. قال الإِمام ابن كثير قوله { فَخَانَتَاهُمَا } أى فى الإِيمان، لم يوافقا هما على الإِيمان، ولا صدقاهما فى الرسالة.. وليس المراد بقوله { فَخَانَتَاهُمَا } فى فاحشة، بل فى الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع فى الفاحشة.. وعن ابن عباس قال مازنتا، أما امرأة نوح، فكانت تخبر أنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط، فكانت تدل على قومها على أضيافه. وفى رواية عنه قال كانت خيانتهما أن امرأة نوح، كانت تفشى سره، فإذا آمن معه نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط، فكانت إذا أضاف لوط أحدا، أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء... وقوله - تعالى - { فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ } بيان لما أصابهما من سوء العاقبة بسبب خيانتهما. أى أن نوحا ولوطا - عليهما السلام - مع جلالة قدرهما، لم يستطيعا أن يدفعا شيئا من العذاب عن زوجتيهما الخائنتين لهما، وإنما قيل لهاتين المرأتين عند موتهما.

السابقالتالي
2 3 4