لَمَّا بيَّنَ في السورة وبال الكفار وسوء حالاتهم، نهانا عن موالاتهم فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ }: الكفار { أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ }: أخبار المؤمنين { بِٱلْمَوَدَّةِ }: معهم نصحا كحاطم ابن أبي بلتعة، كتب سرا - بسبب أن أهله كانوا بينهم - إلى قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يأتيكم بجيشه فخذوا حذركم ثم اعتذر عنده صلى الله عليه وسلم فقبل عذره { وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ }: القرآن { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ }: من مكة كراهة { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن }: أي: لا تتخذوا ما مر إن { كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً }: مجاهدين { فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ }: مبتغين { مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ }: منكم { بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ }: أي: الاتخاذ { مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ }: أخطأ { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }: عدلها { إِن يَثْقَفُوكُمْ }: يظفروا بكم { يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ }: كالقتل والشتم { وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ }: أي: تمنوا كفركم { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ }: قرابكم { وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ }: الكفار { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ }: يفرق { بَيْنَكُمْ }: أنتم في الجنة وهم في النار { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ }: أي: قدوة وهي اسم ما يقتدى به { حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَ }: المؤمنين { ٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ }: بالفعال { وَٱلْبَغْضَآءُ }: بالقلوب { أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ }: فحينئذ نحبكم { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ }: فما لكم فيه أسوة فإنه كان قبل نهيه فلا تستغفروا للكفار { وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ }: أي: عذابه وثوابه { مِن شَيْءٍ }: ولا يلزم من استثناء المجموع استثناء هذا الجزء قولوا: { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ * رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ }: بأن تسلطهم علينا، فيظنوا أن غلبتهم علينا، لأنهم على الحق { وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }: فيما تريد { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ }: أي: إبراهيم ومن معه { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ }: بدل اشتمال من قوله لكم { يَرْجُو ٱللَّهَ }: يخافه { وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ }: عن الاقتداء لهم { فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ }: عنه { ٱلْحَمِيدُ }: فلا يضر إلا نفسه، ثم لما اشتد وَجْدُ المسلمين بمعاداة أقاربهم، نزلت: { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم }: أي: مشركي مكة { مَّوَدَّةً }: بهدايتهم، فأسلموا بعد فتح مكة { وَٱللَّهُ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ } لما سلف منكم من موالاتهم { رَّحِيمٌ }: بكم { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ }: الإحسان إلى الكفرة { ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ }: بدل من الذين { وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ }: تعاملوهم بالعدل { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }: نسخ بالقتال { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ }: عاونوا { عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ }: تتخذوهم أولياء { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ }: المظهرت إيمانهم { مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ }: بنحو تحليفهن على أنهن ما خرجن إلا لحب الإسلام { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ }: يعني أنتم احكموا بمجرد الظاهر { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ }: ظننتموهن { مُؤْمِنَاتٍ } بالحَلفِ { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ }: لحُصُول الفرقة { وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ }: فلا يجوز الاستئناف، أو كرر مبالغة، وفيه دليل تكليف الكفار بالفروع { وَآتُوهُم }: أي: أزواجهن الكفار { مَّآ أَنفَقُواْ }: من مهورهن { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }: مهروهن { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ }: جمع عصمة، يعني نكاح زوجاتكم { ٱلْكَوَافِرِ }: نهي عن المقام على نكاح المشركات { وَاسْأَلُواْ }: ممَّن تزوَّجَهُن من الكفار { مَآ أَنفَقْتُمْ }: عليهن من مهورهن حيث لحقن بالكفار { وَلْيَسْأَلُواْ }: منكم { مَآ أَنفَقُواْ }: من مهور المهاجرات كما مر { ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِن فَاتَكُمْ }: انفلت منكم { شَيْءٌ }: واحدة أو أكثر { مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ }: ولم يؤدوا مهرها { فَعَاقَبْتُمْ }: أي: فجاءت عاقبتكم، أي: توبتكم من الظفر والغنيمة { فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ }: المرتدات { مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ }: عليهن من مهورهن { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ }: ثم نسخ بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ }: بإسقاط الأجنة أو وأد البنات { وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ }: بنسبة ولد إلى الزوج كذبا { يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ }: بأن يلفظها بها { وَ }: بين { أَرْجُلِهِنَّ }: بالزنا أو الولد إذا وضعته سقط بين يديها ورجليها { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ }: أي: طاعة الله تعالى، إذ لا طاعة في العصية { فَبَايِعْهُنَّ }: بلا مصافحة { وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ }: أي: الكفار، وإن احتجتم إليهم لفقر { قَدْ يَئِسُواْ مِنَ }: ثواب { ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ }: أن ينالهم خير منهم، واختتم بما افتتح به اهتماما - واللهُ أعْلمُ، اللَّهُمَّ هوِّن علينا رزقنا.