الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ }

قوله تعالى: { أَنْ آمِنُواْ }: في " أَنْ " وجهان، أظهرهما: أنها تفسيرية لأنها وردت بعدما هو بمعنى القول لا حروفِه. والثاني: انها مصدرية بتأويلٍ متكلف أي: أَوْجَبْتُ إليهم الأمر بالإِيمان، وهنا قالوا " آمنَّا " ولم يُذْكر المُؤْمَنْ به، وهناكآمَنَّا بِٱللَّهِ } [آل عمران: 52] فذكره، والفرق أنَّ هناك تقدَّم ذِكْرُ الله تعالى فقط فأُعيدَ المؤمَنْ به فقيل: " بالله " وهنا ذُكِر شيئان قبل ذلك وهما: { أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي } فلم يُذْكَر ليشمل المذكورين، وفيه نظرٌ. وهنا " بأنَّنا " وهناك " بأنَّا " بالحذف، وقد تقدَّم غيرَ مرة أنَّ هذا هو الأصل، وإنما جِيء هنا بالأصل لأنَّ المُؤْمَنَ به متعدِّدٌ فناسَبَه التأكيد.

قوله: { هَلْ يَسْتَطِيعُ } قرأ الجمهورُ " يَسْتَطيع " بياء الغيبة " ربك " مرفوعاً بالفاعلية، والكسائي: " تَسْتَطيع " بتاء الخطاب لعيسى، و " ربَّك " بالنصب على التعظيم، وقاعدتُه أنه يُدْغِم لام " هل " في أحرف منها هذا المكان، وبقراءة الكسائي قرأت عائشة، وكانت تقول: " الحواريُّونَ أعرفُ بالله من أن يقولوا: هل يستطيع ربك " كأنها - رضي الله عنها - نَزَّهَتْهم عن هذه المقالةِ الشنيعة أَنْ تُنْسَبَ إليهم، وبها قرأ معاذ أيضاً وعلي وابن عباس وسعيد بن جبير في آخرين، وحينئذ فقد اختلفوا في هذه القراءة: هل تحتاجُ إلى حَذْفِ مضاف أم لا؟ فجمهورالمُعْربين / يقدِّرون: هل تستطيعُ سؤالَ ربك، وقال الفارسي: " وقد يمكن أَنْ يُسْتغنى عن تقدير " سؤالَ " على أن يكون المعنى: هل تستطيع أن يُنَزَّل ربُّك بدعائك، فيُرَدُّ المعنى - ولا بد - إلى مقدَّر يدل عليه ما ذُكِر من اللفظ " قال الشيخ: " وما قاله غيرُ ظاهرٍ لأنَّ فعلَه تعالى وإنْ كان مسبباً عن الدعاءِ فهو غيرُ مقدورٍ لعيسى " واختار أبو عبيد هذه القراءةَ قال: " لأنَّ القراءةَ الأخرى تُشْبه أن يكونَ الحواريُّون شاكِّين، وهذه لا تُوهِمُ ذلك ". قلت: وهذا بناء من الناسِ على أنهم كانوا مؤمنين، وهذا هو الحقُّ.

قال ابن الأنباري: " لا يجوزُ لأحد أن يتَوَهَّم على الحواريين أنهم شَكُّوا في قدرة الله تعالى " وبهذا يَظْهَرُ أنَّ قول الزمخشري أنهم ليسا مؤمنين ليس بجيدٍ وكأنه خارقٌ للإِجماع. قال ابن عطية: " ولا خلاف أحفظُه أنهم كانوا مؤمنين ". وأمَّا القراءةُ الأولى فلا تَدُلُّ له لأن الناس أجابوا عن ذلك باجوبةٍ منها: أنَّ معناه: هل يَسْهُل عليك أن تسأل ربَّك، كقولِك لآخر: هل تستطيع أن تقومَ؟ وأنت تعلم استطاعته لذلك. ومنها: أنهم سألوه سؤالَ مستخبرٍ: هل يُنَزَّل أم لا، فإن كان يُنَزِّلُ فاسأله لنا.

السابقالتالي
2 3