الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قال الجمل ما ملخصه ذكر الله - تعالى - فى هذه الآية تسعة أوصاف للمؤمنين، الستة الأولى منها تتعلق بمعاملة الخالق، والوصفان السابع والثامن يتعلقان بمعاملة المخلوق، والوصف التاسع يعم القبيلين. وقوله { ٱلتَّائِبُونَ } فيه وجوه من الأعراب منها أنه مرفوع على المدح. فهو خبر لمبتدأ محذوف وجوباً للمبالغة فى المدح أى المؤمنون المذكورون التائبون، ومنها أن الخبر هنا محذوف، أى التائبون المصوفون بهذه الأوصاف من أهل الجنة... " والمعنى " التائبون " عن المعاصى وعن كل ما نهت عنه شريعة الله، " العابِدون " لخالقهم عبادة خالصة لوجهه، " الحامدون " له - سبحانه - فى السراء والضراء، وفى المنشط والمكره، وفى العسر واليسر، " السائحون " فى الأرض للتدبر والاعتبار وطاعة الله. والعمل على مرضاته { ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ } لله - تعالى - عن طريق الصلاة التى هى عماد الدين وركنه الركين " الآمرون " غيرهم " بالمعروف " أى بكل ما حسنه الشرع " والناهون " له " عن المنكر " الذى تأباه الشرائع والعقول السليمة، { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } أى لشرائعه وفرائضه وأحكامه وآدابه.. هؤلاء المتصفون بتلك الصفات الحميدة، بشرهم. يا محمد. بكل ما يسعدهم ويشرح صدورهم، فهم المؤمنون حقاً، وهم الذين أعد الله - تعالى - لهم الأجر الجزيل، والرزق الكريم. ولم يذكر - سبحانه - المبشر به فى قوله { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، للاشارة إلى أنه أمر جليل لا يحيط به الوصف، ولا تحده العيارة. ولم يذكر - سبحانه - فى الآية لهذه الأوصاف متعلقاً، فلم يقل " التائبون " من كذا، لفهم ذلك من المقام، لأن المقام فى مدح المؤمنين الصادقين الذين أخلصوا نفوسهم لله، تعالى. فصاروا ملتزمين طاعته فى كل أقوالهم وأعمالهم. وعبر عن كثرة صلاتهم وخشوعهم فيها بقوله. { ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ } للاشارة إلى أن الصلاة كأنها صفة ثابتة من صفاتهم، وكأن الركوع والسجود طابع مميز لهم بين الناس. وإنما عطف النهى عن المنكر على الأمر بالمعروف للإِيذان بأنهما فريضة واحدة لتلازمهما فى الغالب، أو لما بينهما من تباين إذ الأمر بالمعروف طلب فعل، والنهى عن المنكر طلب ترك أو كف. وكذلك جاء قوله. { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } بحرف العطف ومما قالوه فى تعليل ذلك. أن سر العطف هنا التنبيه على أن ما قبله مفصل للفضائل وهذا مجمل لها، لأنه شامل لما قبله وغيره، ومثله يؤتى به معطوفاً، نحو زيد وعمرو وسائر قبيلتهما كرماء، فلمغايرته لما قبله بالإِجمال والتفصيل والعموم والخصوص عطف عليه. هذا، وما ذكرناه من أن المراد بقوله " السائحون " أى السائرون فى الأرض للتدير والاعتبار والتفكر فى خلق الله، والعمل على مرضاته.

السابقالتالي
2