الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

قوله تعالى: { تَكُونُ لَنَا عِيداً }: في " تكون " ضمير يعود على " مائدة " هو اسمُها، وفي الخبرِ احتمالان، أظهرُهما: أنه عيد، و " لنا " فيه وجهان أحدهما: أنه حال من " عيدا " لأنها صفة له في الأصل، والثاني: أنها حال من ضمير " تكون " عند مَنْ يُجَوِّزُ إعمالَها في الحال. والوجه الثاني: أنَّ " لنا " هو الخبر، و " عيداً " حال: إمَّا من ضمير " تكونُ " عند مَنْ يرى ذلك، وإمَّا من الضمير في " لنا " لأنه وقعَ خبراً فتحمَّل ضميراً، والجملةُ في محلِّ نصبٍ صفةً لمائدة.

وقرأ عبد الله: { تَكُنْ } بالجزم على جواب الأمر في قوله: " أَنْزل " قال الزمخشري: " وهما نظيريَرِثُنِي وَيَرِثُ } [مريم: 6] يريد قوله تعالى: { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي } بالرفع صفةً، وبالجزم جواباً، ولكنْ القراءتان هناك متواترتان، والجزمُ هنا في الشاذ.

والعِيد مشتق من العَوْد لأنه يعود كل سنة، قاله ثعلب عن ابن الأعرابي. وقال ابن الأنباري: " النحويون يقولون: يوم العيد، لأنه يعود بالفرح والسرور، وعند العرب لأنه يعد بالفرح والحزن، وكل ما عاد إليه في وقت فهو عِيد، حتى قالوا للطَّيْفِ عيد " قال الأعشى:
1847- فواكبدي من لاعجِ الحُبِّ والهَوى   إذا اعتاد قَلْبي من أُمَيْمَة عيدُها
أي: طيفُها، وقال تأبَّط شراً:
1848- يا عيدُ ما لكَ مِنْ شوقٍ وإيراقِ   ........................
وقال:
1849- عادَ قلبي من الطويلةِ عيدُ   ..........................
وقال الراغب: " والعيديُ حالةٌ تعاوِدُ الإِنسانَ، والعائدة: كل نفع يرجع إلى الإِنسان بشيء، ومنه " العَوْدُ " للبعيرِ المسنِّ: إمَّا لمعاودته السيرَ والعملَ فهو بمعنى فاعِل، وإمَّا لمعاودةِ السنين وإياه ومَرِّها عليه فهو بمعنى مفعول، قال: امرؤ القيس:
1850- على لاحِبٍ لا يُهْتَدى بمنارِه   إذا سافَه العَوْدُ النباطِيُّ جَرْجَرا
وصَغَّره على " عُيَيْد " وكَسَّروه على " أعياد " وكانَ القياسُ عُوَيْد وأَعْود، لزوالِ موجبِ قَلْبِ الواوِ ياءً، لأنها إنما قُلِبت لسكونِها بعد كسرةٍ كـ " ميزان " ، وإنما فَعَلوا ذلك قالوا: فرقاً بينه وبين عودِ الخشب.

قوله: { لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا } فيه وجهان أحدُهما: أنه متعلقٌ بمحذوف لأنه وقعَ صفةً لـ " عيداً " الثاني: أنه بدلٌ من " نا " في " لنا " قال الزمخشري: " لأولنا وآخرنا " بدلٌ من " لنا " بتكرير العاملِ " ثم قال: " وقرأ زيد بن ثابت والجحدري لأَولانا وأُخْرانا والتأنيثُ على معنى الأمة. " وخَصَّص أبو البقاء كلَّ وجه بشيء وذلك أنه قال: " فأمَّا " لأولنا وآخرنا " فإذا جعلت " لنا " خبراً وحالاً من فاعل " تكون " فهو صفةٌ لـ " عيداً " ، وإن جعلت " لنا " صفة لـ " عيد " كان " لأولنا " بدلاً من الضمير المجرور بإعادة الجارِّ ".

السابقالتالي
2