الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }

{ فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } مفرع على نتيجة التمثيل وصد لهم عما يؤدي إلى مثل عاقبته، والمعنى وإذ قد استبان لكم حال من كفر بأنعم الله تعالى وكذب رسوله وما حل بهم بسبب ذلك من اللتيا والتي أولاً وآخراً فانتهوا عما أنتم عليه من كفران النعم وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم كيلا يحل بكم ما حل بهم واعرفوا حق نعم الله تعالى وأطيعوا الرسول عليه الصلاة والسلام في أمره ونهيه فكلوا من رزق الله تعالى حال كونه { حَلَـٰلاً طَيّباً } وذروا ما تفترون من تحريم البحائر ونحوها { وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ } واعرفوا حقها ولا تقابلوها بالكفران. والفاء في المعنى داخلة على الأمر بالشكر وإنما دخلت على الأمر بالأكل لكون الأكل ذريعة إلى الشكر فكأنه قيل: فاشكروا نعمة الله غب أكلها حلالاً طيباً وقد أدمج فيه النهي عن زعم الحرمة ولا ريب في أن هذا إنَّما يتصور حين كان العذاب المستأصل متوقعاً بعد وقد تمهدت مبادية وأما بعدما وقع فمن ذا الذي يحذر ومن ذا الذي يحذر ومن ذا الذي يؤمر بالأكل والشكر وحمل قوله تعالى:فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ } [النحل: 113] على الإخبار بذلك قبل الوقوع يأباه التصدي لاستصلاحهم بالأمر والنهي وإن لم يأباه التعبير بالماضي لأن استعماله في المستقبل المتحقق الوقوع مجازاً كثير. وتوجيه خطاب الأمر بالأكل إلى المؤمنين مع أن ما يتلوه من خطاب النهي متوجه إلى الكفار كما فعل الواحدي قال: فكلوا أنتم يا معشر المؤمنين مما رزقكم الله تعالى من الغنائم مما لا يليق بشأن التنزيل اهـ. وتعقب بأنه بعد ما فسر العذاب بالعذاب المستأصل للشأفة كيف يراد به ما وقع في بدر وما بقي منهم أضعاف ما ذهب وإن كان مثل ذلك كافياً في الاستئصال فليكن المحذر والمأمور الباقي منهم، وما ذكره عن الواحدي من توجيه خطاب الأمر بالأكل للمؤمنين رواه الإمام عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ثم نقل عن الكلبـي ما يستدعي أن الخطاب لأهل مكة حيث قال: إن رؤساء مكة كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جهدوا وقالوا: عاديت الرجال فما بال الصبيان والنساء وكانت الميرة قد قطعت عنهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن في الحمل إليهم فحمل الطعام إليهم فقال الله تعالى: { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } الخ ثم قال: والقول ما قال ابن عباس يدل عليه قوله تعالى فيما بعد:إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ } [النحل: 115] الخ يعني إنكم لما آمنتم وتركتم الكفر فكلوا الحلال الطيب وهو الغنيمة واتركوا الخبائث وهو الميتة والدم اهـ. وفي «التفسير الخازني» أن كون الخطاب للمؤمنين من أهل المدينة هو الصحيح فإن الصحيح أن الآية مدنية كما قال مقاتل وبعض المفسرين، والمراد بالقرية مكة وقد ضربها الله تعالى لأهل المدينة يخوفهم ويحذرهم أن يصنعوا مثل صنيعهم فيصيبهم ما أصابهم من الجوع والخوف ويشهد لصحة ذلك أن الخوف المذكور في الآية كان من البعوث والسرايا التي كانت يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول جميع المفسرين لأن النبـي عليه الصلاة والسلام لم يؤمر بالقتال وهو بمكة وإنما أمر به وهو بالمدينة فكان صلى الله عليه وسلم يبعث البعوث إلى مكة يخوفهم بذلك وهو بالمدينة، والمراد بالعذاب ما أصابهم من الجوع والخوف وهو أولى من أن يراد به القتل يوم بدر، والظاهر أن قوله تعالى:

السابقالتالي
2