الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } * { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

قوله: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ }.

ذكر بعضهم قال: كان أنزل في سورة بني إسرائيل:وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } [الإِسراء:23-24]؛ ثم أنزل الله في هذه السورة: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى... } الآية؛ فلا ينبغي [للمسلم] إذا كان أبواه مشركين أن يستغفر لهما، ولا يقل: ربّ ارحمهما؛ وكذلك إذا كانا منافقين.

قال الحسن: { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ } أي: ما توا على الكفر والنِّفاق. وقال بعضهم: كان يقال: ليقل: اللهم اهده، ولا يقل: اللهم اغفر له.

قوله: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ }.

في تفسير ابن عباس والحسن: فلما مات تبيّن له أنه عدوٌّ لله. وكان إبراهيم يرجوه ما كان حيّاً، فلما مات تبيّن له أنه عدوّ لله، لأنه مات على الكفر.

وقال الكلبي: إن النبي عليه السلام سأل: أيّ قرابته أحدث به عهداً، فقيل: أمك. فأراد أن يستغفر لها، وقال استغفر إبراهيم لأبويه، وهما مشركان. فلما همّ أن يستغفر لأمه جاءه جبريل وقال: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ }. يقول: فلما مات علم أنه لا توبة له، فتبرأ منه.

وقال بعضهم: ذكر لنا أن رجلاً قال لنبي الله عليه السلام: إن من آبائنا من كان يُحسِن الجوار، ويصل الأرحام، ويفي بالذِّمم، أفلا نستغفر لهم. قال: " بلى، فوالله إني لأستغفر لهم، يعني والديه، كما استغفر إبراهيم لوالديه " فأنزل الله هذه الآية: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ }. وقال في قوله: { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ } أي: لما مات على شركه { تَبَرَّأَ مِنْهُ }.

قوله: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } قال بعضهم: الأوّاه: الرحيم. ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الأوّاه: الرحيم. وبعضهم يقول: هو الدَّعَّاء. [وقال ابن عباس: الأوَّاه: الموقن].

قوله: { وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.

بلغنا أن أناساً من أصحاب النبي عليه السلام ماتوا قبل أن تفرض الفرائض أو بعضها، فقال قوم من أصحاب النبي: مات إخواننا قبل أن تفرض هذه الفرائض، فما منزلتهم، وقد كانوا مؤمنين بما فرض عليهم يومئذٍ، فأنزل الله هذه الآية، فأخبر أنهم ماتوا على الإِيمان.