الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً }

{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } قد مر الكلام على هذه الآية الكريمة في أوائل هذه السورة مطولاً، قالوا: تكريرها إما تأكيداً وتشديداً أو لتكميل قصة طعمة، وقد مر موته كافراً، أو إن لها سبباً آخر في النزول، على ما رواه الثعلبيّ عن ابن عباس قال: جاء شيخ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني شيخ منهمك في الذنوب، إلا أني لم أشرك بالله شيئاً منذ عرفته وآمنت به، ولم أتخذ من دونه ولياً، ولم أوقع المعاصي جراءة، وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هرباً، وإني لنادم تائب، فما ترى حالي عند الله سبحانه وتعالى؟ فنزلت، واستظهر بعضهم الوجه الأخير قال: لأن التأكيد، مع بعد عهده، لا يقتضي تخصص هذا الوضع، فلا بد له من مخصص. وأغرب المهايميّ حيث جعلها مشيرة إلى شقي الآية الكريمة، حيث قال: ثم أشار إلى أن وعيد مشاقة الرسول جازم دون مخالفة الإجماع، لأن مشاقة الرسول دليل تكذيبه، وهو مستلزم للشرك بالله، إذ خلق المعجزات لا يكون إلا لكامل القدرة، ولا يكون إلا لإله، فإذا نفاها عن الله فقد أثبت له شريكاً وأن الله لا يغفر أن يشرك به، ومخالفة الإجماع يجوز أن تكون مغفورة، لأنه يغفر ما دون ذلك لمن يشاء، إذا لا تنتهي إلى الشرك، وكل هذه المناسبات دالة دون ذلك قطعاً على دلالة هذه الآية، على أن ما سوى الشرك مغفور قطعاً، سواء حصلت التوبة أو لم تحصل.

وقد روى الترمذيّ عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: ما في القرآن آية أحب إليّ من هذه الآية: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } - الآية: { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } أي: عن الحق، فإن الشرك أعظم أنواع الضلالة وأبعدها عن الصواب والاستقامة، وإنما ذكر في الآية الأولى:فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ } [النساء: 48] لأنها متصلة بقصة أهل الكتاب، ومنشأ شركهم كان نوع افتراء، وهو دعوى التبني على الله تعالى بقولهم:نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } [المائدة: 18] قاله القاضي.

وفي (السمين): ختمت الآية المتقدمة بقوله:فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ } [النساء: 48] وهذه بقوله: { فَقَدْ ضَلَّ } لأن الأولى في شأن أهل الكتاب وهم عندهم علم بصحة نبوته، وأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع، ومع ذلك فقد كابروا في ذلك وافتروا على الله، وهذه في شأن قوم مشركين ليس لهم كتاب ولا عندهم علم، فناسب وصفهم بالضلال، وأيضاً قد تقدم هنا ذكر الهدى وهو ضد الضلال. انتهى.