قوله عزّ وجلّ: { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، واختلفوا في أن هذا القول متى يكون، فقال السدي: قال الله تعالى هذا القول لعيسى عليه السلام حين رفعه إلى السماء لأن حرف " إذْ " يكون للماضي، وقال سائر المفسّرين: إنما يقول الله له هذا القول يوم القيامة، بدليل قوله [من قبل]:{ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } [المائدة: 109] وقال من بعد هذا:{ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ صِدْقُهُمْ } [المائدة: 119]، وأراد بهما يوم القيامة، وقد تجيء " إذْ " بمعنى " إذا " كقوله عزّ وجلّ: ولو ترى إذ فزعوا أي: إذا فزعوا [يوم القيامة]، والقيامة وإن لم تكن بعد ولكنها كالكائنة لأنها آتية لا محالة. قوله: { ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ }؟ فإن قيل: فما وجه هذا السؤال مع علم الله أن عيسى لم يقله؟ قيل هذا السؤال عنه لتوبيخ قومه وتعظيم أمر هذه المقالة كما يقول القائل لآخر: أفعلت كذا وكذا؟ فيما يعلم أنه لم يفعله، إعلاماً واستعظاماً لا استخباراً واستفهاماً. وأيضاً أراد الله عزّ وجلّ أنْ يقرَّ [عيسى عليه السلام عن] نفسه بالعبودية، فيسمع قومه، ويظهر كذبهم عليه أنه أمرهم بذلك، قال أبو روق: إذا سمع عيسى عليه السلام هذا الخطاب أرعدت مفاصله وانفجرت من أصل كل شعرة على جسده عين من دم، ثم يقول مجيباً لله عزّ وجلّ: { قَالَ سُبْحَـٰنَكَ } ، تنزيهاً وتعظيماً لك { مَا يَكُونُ لِىۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى } ، قال ابن عباس: تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك، وقيل معناه: تعلم سِّري ولا أعلَم سِّرك، وقال أبو روق تعلم ما كان مني في دار الدنيا ولا أعلم ما يكون منك في الآخرة، وقال الزجاج: النفس عبارة عن جملة الشيء وحقيقته، يقول: تعلم جميع ما أعلم من حقيقة أمري ولا أعلم حقيقة أمرك، { إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } ، ما كان وما يكون.