الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ }

قوله تعالى: { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } إنكار لأن يكون لهم شيء يدعوهم إلى الاجتناب عن أكل ما ذكر عليه اسم الله تعالى من البحائر والسوائب. أي: وأيّ غرض لكم في أن تتحرجوا من أكله، وما يمنعكم عنه؟ { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } أي: بيّنه ووضحه.

قال بعض المفسرين: يعني في آية المائدة في قوله تعالى:حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ... } [المائدة: 3] الآية. وردّ بأن المائدة من آخر ما نزل بالمدينة، والأنعام مكية. فالصواب أن التفصيل إمّا في قوله تعالى بعد هذه الآية:قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً... } [الأنعام: 145]، الآية: فإنه ذكر بعدُ بيسير، وهذا القدر من التأخر لا يمنع أن يكون هو المراد؛ وإما على لسان الرسول، ثم أنزل بعد ذلك في القرآن. و (فصل) و (حرم) قرئ كل منهما معلوماً ومجهولاً. ومعنى الآية: لا مانع لكم من أكل ما ذكر، وقد بين لكم المحرم أكله، وهذا ليس منه.

{ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } أي: مما حرم عليكم. أي: إلا أن تدعوكم الضرورة إلى أكله بسبب شدة المجاعة، فيباح لكم.

{ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ } قرئ بفتح الياء وضمها { بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي: يضلون فيحرّمون ويحللون بأهوائهم وشهواتهم، من غير تعلق بشريعة.

{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ } أي: المتجاوزين لحدود الحق إلى الباطل، والحلال إلى الحرام.

تنبيه

قال الرازيّ: دلت هذه الآية على أن القول في الدين بمجرد التقليد حرام؛ لأن القول بالتقليد قول بمحض الهوى والشهوة، والآية دلت على أن ذلك حرام. انتهى.

وقال بعض الزيدية: في الآية دلالة على تحريم الفتوى والحكم بغير دلالة، ولكن اتباع الهوى.

ولما بين تعالى أنه فصل المحرمات، أتبعه بما يوجب تركها بالكلية، فقال سبحانه:

{ وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ... }.