الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

فيه ثماني مسائل: الأولى ـ: قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جاء نساء أهل مكة يبايعنه، فأمِر أن يأخذ عليهن ألاَّ يُشْرِكن. وفي صحيح مسلم: " عن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمْتَحَنَّ بقول الله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ } إلى آخر الآية. قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا من المؤمنات فقد أقرّ بالمحنة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقْررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انطلقْنَ فقد بايعتكن» ولا والله ما مَسَّت يدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَ امرأة قطُّ، غير أنه بايعهن بالكلام. قالت عائشة: والله، ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قطُّ إلا بما أمره الله عز وجل، وما مسّتْ كَفُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كفَّ امرأة قطّ وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن «قد بايَعْتُكُنّ كلاماً» " وروي أنه عليه الصلاة والسلام بايع النساء وبين يديه وأيديهن ثوب، وكان يشترط عليهن. وقيل: لما فرغ من بيعة الرجال جلس على الصّفَا ومعه عمر أسفل منه، فجعل يشترط على النساء البَيْعة وعمر يصَافحهن. ورُوِي أنه كلّف امرأة وقفت على الصّفَا فبايعتهن. ابن العربي: وذلك ضعيف، وإنما ينبغي التعويل على ما في الصحيح. " وقالت أمّ عَطِية: لما قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب، فقام على الباب فسلّم فردَدْن عليه السلام، فقال: أنا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليكنّ ألا تشرِكن بالله شيئاً. فقلن نعم. فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثم قال: الَّلهُم اشهد " وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النساء دَعَا بقدح من ماء، فغمس يده فيه ثم أمر النساء فغمسن أيديهن فيه ". الثانية ـ: رُوي: " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما قال: «على ألاّ يُشْرِكْنَ بالله شيئاً» قالت هنْد بنت عُتْبة وهي مُنْتَقِبة خوفاً من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لِمَا صنعته بحَمْزَةَ يوم أُحُد: والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيتك أخذته على الرجال ـ وكان بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط ـ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ولا يَسْرِقن» فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شَحيح وإني أصيب من ماله قُوتَنَا. فقال أبو سفيان: هو لك حلال. فضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم وعَرَفها وقال: «أنت هند»؟ فقالت: عفا الله عما سلف. ثم قال: «ولا يزنين» فقالت هند: أو تَزْنِي الحرّة! ثم قال: «ولا يقتلن أولادهن» أي لا يَئِدْنَ الْمَوْءُدَات ولا يُسقطن الأجِنّة. فقالت هند: رَبّيناهم صِغاراً وقتلتهم كباراً يوم بدر، فأنتم وهم أبصر "

السابقالتالي
2 3 4