الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } * { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ }

{ هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفًا } من الصاعقة { وَطَمَعًا } في المطر، فوجهُ تقديم الخوفِ على الطمع ظاهر لما أن المَخوفَ عليه النفسُ أو الرزق العتيدُ والمطموعُ فيه الرزقُ المترقَّبُ، وقيل: الخوف أيضاً من المطر لكنْ الخائفُ منه غيرُ الطامع فيه كالخزّاف والحرّاث، ويأباه الترتيبُ اللهم إلا أن يتكلف ما أشير إليه من أن المَخوفَ عتيدٌ والمطموعَ فيه مترقَّبٌ، وانتصابُهما إما على المصدرية أي فتخافون خوفاً وتطمعون طمعاً أو على الحالية من البرق أو المخاطبـين بإضمار ذوي أو بجعل المصدرِ بمعنى المفعول أو الفاعل مبالغةً أو على العِلّية بتقدير المضاف أي إرادةَ خوفٍ وطمعٍ، أو بتأويل الإخافة والإطماعِ ليتّحد فاعلُ العِلة والفعل المعلّل. وأما جعلُ المعلل هي الرؤية التي تتضمنها الإرادةُ ـ على طريقة قول النابغة
وحلّت بـيوتي في يَفاعٍ ممنَّع   تَخال به راعي الحَمولةِ طائرا
حِذاراً على أن لا يُنال معاوني   ولا نِسوتي حتى يمُتْن حرائرا
أي أحللت بـيوتي حِذاراً ـ فلا سبـيل إليه لأن ما وقع في معرِض العلةِ الغائية لا سيما الخوفُ لا يصلح علةً لرؤيتهم { وَيُنْشِىء ٱلسَّحَابَ } الغمامَ المنسحبَ في الجو { ٱلثّقَالَ } بالماء وهي جمعُ ثقيلةٍ وُصف بها السحابُ لكونها اسمَ جنسٍ في معنى الجمع والواحدةُ سحابة، يقال: سحابةٌ ثقيلة وسحاب ثِقال، كما يقال: امرأة كريمة ونسوة كرام.

{ وَيُسَبّحُ ٱلرَّعْدُ } أي سامعوه من العباد الراجين للمطر ملتبسين { بِحَمْدِهِ } أي يضِجّون بسبحان الله والحمد لله وإسنادُه إلى الرعد لحمله لهم على ذلك أو يسبح الرعدُ نفسه على أن تسبـيحه عبارةٌ عن دلالته على وحدانيته تعالى وفضلِه المستوجبِ لحمده. وعن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: " سُبحانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بحمدِهِ " وإذا اشتد يقول: " اللهم لا تقتُلْنا بغضبك ولا تُهلِكنا بعذابك وعافِنا قبل ذلك ". وعن علي رضي الله عنه: " سبحان من سبَّحْتَ له ". وعن ابن عباس رضي الله عنهما " أن اليهود سألت النبـيَّ عليه الصلاة والسلام عن الرعد فقال: " ملَكٌ من الملائكة موكلٌ بالسحاب معه مخاريقُ من نار يسوق السحابَ " وعن الحسن: " خلقٌ من خلق الله تعالى ليس بملك " { وَٱلْمَلَـئِكَةُ } أي يسبح الملائكة { مِنْ خِيفَتِهِ } من هيبته وإجلالِه جل جلاله، وقيل: الضمير للرعد.

{ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء } فيُهلكه بذلك { وَهُمْ } أي الكفرةُ المخاطبون في قوله تعالى:هُوَ ٱلَّذِى يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ } [الرعد: 12] وقد التُفت إلى الغَيبة إيذاناً بإسقاطهم عن درجة الخِطاب وإعراضاً عنهم وتعديداً لجناياتهم لدى كلِّ من يستحق الخطابَ كأنه قيل: هو الذي يفعل أمثالَ هذه الأفاعيلِ العجيبةِ من إراءة البرقِ وإنشاء السحابِ الثقالِ وإرسالِ الصواعقِ الدالةِ على كمال علمِه وقدرتِه ويعقِلُها مَنْ يعقِلها من المؤمنين، أو الرعدُ نفسه أو الملكُ الموكلُ به والملائكةُ ويعملون بموجب ذلك من التسبـيح والحمد والخوفِ من هيبته تعالى وهم أي الكفرة الذين حُكيت هَناتُهم مع ذلهم وهوانهم وحقارةِ شأنهم { يُجَـٰدِلُونَ فِى ٱللَّهِ } أي في شأنه تعالى حيث يفعلون ما يفعلون من إنكار البعثِ واستعجالِ العذاب استهزاءً واقتراحِ الآيات، فالواو لعطف الجملةِ على ما قبلها من قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3