الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى }

قوله: " إِنِّي " قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالفتح على تقدير الباء أي: بأَنِّي، لأن النداء يوصل بها. تقول: ناديتُه بكذا، وأنشد الفارسيُّ قول الشاعر:
3643- نَادَيْتُ باسْمِ رَبيعَةَ بنِ مُكَدَّمٍ   إنَّ المُنَوَّه باسْمِهِ المَوْثُوقُ
وجوز ابن عطية أن تكون بمعنى: لأجل، وليس بظاهر. والباقون بالكسر إمَّا على إضمار القول عند الكوفيين. وقوله: " أَنَا " يجوز أن يكون مبتدأ وما بعده خبره والجملة خبر (إنَّ) ويجوز أن يكون توكيداً للضمير المنصوب. ويجوز أن يكون (فصلاً).

فصل

قال المفسرون: لمَّا نُودِي يَا مُوسَى أجاب سريعاً ما يدري من دعاه، فقال: إنِّي أسمع صوتك ولا أرَى مكانَك، فأين أنت؟ فقال: أنا فوقَكَ، ومعَكَ، وأمامَكَ، وخلفَكَ، وأقربُ إليكَ منْ نفسِك. فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله عزّ وجلّ فأيقن به. " فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ " روى ابن مسعود مرفوعاً في قوله: " اخْلَعْ نَعْلَيْكَ " قيل: كانَتَا من جلد حمار ميت. ويروى غير مدبوغ.

وقال عكرمة ومجاهد: ليباشر بقَدَمَيْه تراب الأرض المقدسة، فيناله بركتها، لأنه قُدِّسَتْ مرتين، فخلعهما وأَلقاهُما من وراء الوادي.

قيل: إنه عرف أن المنادي هو الله تعالى، لأنه رأى النار في الشجرة الخضراء بحيث أن الخُضْرة ما كانت تطفىء تلك النار، وتلك النار ما كانت تنضر بتلك الخُضْرة، وهذا لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى.

قوله: " طُوَى " قرأ الكوفيون وابنُ عامر " طُوًى " بضم الطاء والتنوين.

وقرأ الباقون: بضمها من غير تنوين.

وقرأ الأعمش والحسن وأبو حيوة وابن محيصن بكسر الطاء منوناً، وأبو زيد عن أبي عمرو بكسرها غير منون.

فمن ضمَّ ونوَّنَ فإنه صرفه: لأنَّه أوَّله بالمكان. ومن منعه فيحتمل أوجهاً:

أحدها: أنه منعه للتأنيث باعتبار البقعة والعلمية.

الثاني: أنَّه منعه للعدل إلى فُعَل، وإن لم يعرف اللفظ المعدول عنه وجعله كُعَمر وزُفَر.

الثالث: أنه اسم أعجميٌّ فمَنْعُهُ للعلمية والعجمة. ومن كَسَر ولم يُنوّن فباعتبار البقعة أيضاً. فإن كان اسماً فهو نظير عِنَب، وإن كان صفة فهو نظير عِدَى وسِوَى. ومن نَوَّنه فباعتبار المكان.

وعن الحسن البصري: أنه بمعنى الثناء بالكسر والقصر، والثناء المتكرر مرتين فيكون معنى هذه القراءة: أنه طهر مرتين، فيكون مصدراً منصوباً بلفظ (المقدس)، لأنه بمعناه، كأنه قيل: المقدس مرتين من التقديس.

وقرأ عيسى بن عمر والضَّحَّاك " طَاوِيْ اذْهَب ". وطُوَى: إما بدل من الوادي أو عطف بيان له. أو مرفوع على إضمار مبتدأ، أو منصوب على إضمار أعْنِي.

فصل

استدلت المعتزلة بقوله: " اخْلَعْ نَعْلَيْكَ " على أن كلام الله تعالى ليس بقديم، إذ لو كان قديماً لكان الله قائلاً قبل وجود موسى: اخْلَعْ نَعْلَيْكَ يَا مُوسَى، ومعلوم أن ذلك سفه، فإن الرجل في الدار الخالية إذا قال يا يزيد افعل، ويا عمرو لا تفعل مع أن زيداً وعمراً لا يكونان حاضرين يعد ذلك جنوناً وسفهاً.

السابقالتالي
2