الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } * { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ }

قوله تعالى: { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً }. وقد تقدم في " البقرة ".

ندب إلى الإنفاق في سبيل الله.

وقال ابن عطية: هنا بالرَّفع على العطف، أو القطع والاستئناف.

وقرأ عاصم: " فيُضَاعفه " بالنصب بالفاء على جواب الاستفهام، وفي ذلك قلقٌ.

قال أبو علي: لأن السؤال لم يقع على القرضِ، وإنما وقع عن فاعل القَرْض، وإنما تنصب الفاء فعلاً مردوداً على فعل مستفهم عنه، لكن هذه الفرقة حملت ذلك على المعنى، كأن قوله: { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ } بمنزلة قوله: " أيقرض الله أحدٌ ". انتهى.

وهذا الذي قاله أبو علي ممنوع، ألا ترى أنه ينصب بعد " الفاء " في جواب الاستفهام بالأسماء، وإن لم يتقدم فعل نحو: أين بيتك فأزورك ومثل ذلك: من يدعوني فأستجيب له، ومتى تسير فأرافقك، وكيف تكون فأصحبك، فالاستفهام إنما وقع عن ذات الدَّاعي، وعن ظرف الزَّمان، وعن الحال لا عن الفعل.

وقد حكى ابن كيسان عن العرب: " أين ذهب زيدٌ فنتبعه، ومن أبوك فنكرمه ".

فصل في المقصود بالقرض

ندب الله تعالى إلى الإنفاق في سبيل الله، والعرب تقول لكل من فعل فعلاً حسناً: " قد أقرض ".

كما قال بعضهم رحمة الله عليه: [الرمل]
4719- وإذَا جُوزيتَ قَرْضاً فاجزه   إنَّما يَجزي الفَتَى لَيْسَ الجَمَلْ
وسماه قرضاً؛ لأن القرض أخرج لاسترداد البدل، أي: من ذا الذي ينفق في سبيل الله حتى يبدله الله بالأضعاف الكثيرة.

قال الكلبي: " قرضاً " أي: صدقة.

" حسناً " أي: محتسباً من قلبه بلا منٍّ ولا أدى.

{ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ }: ما بين سبع إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف.

وقيل القَرْض الحسن هو أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

وقال زيد بن أسلم: هو النَّفقة على الأهل.

وقال الحسن: التطوُّع بالعبادات.

وقيل: عمل الخير.

وقال القشيري: لا يكون حسناً حتى يجمع أوصافاً عشرة:

الأول: أن يكون من الحلال، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاةً بِغَيْرِ طهُورٍ، ولا صَدَقةً مِنْ غُلُولٍ ".

الثاني: أن يكون من أكرم ما يمكنه؛ ولا يخرج الرديء كقوله تعالى:وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } [البقرة: 267].

الثالث: أن يتصدق به وهو يحبّه، ويحتاج إليه لقوله تعالى:لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 92] وقوله:وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ } [البقرة: 177].

وقال عليه الصلاة والسلام " أفْضَلُ الصَّدقةِ أنْ تُعْطيَهُ وأنْتَ صَحيحٌ شَحِيحٌ تأمْلُ العَيْشَ ولا تمهلُ حتَّى إذا بلغتِ التَّراقي قُلْتَ: لفُلانٍ كذا، ولفُلانٍ كَذَا ".

الرابع: أن تصرف صدقته إلى الأحوج فالأحوج، ولذلك خص تعالى أقواماً بأخذها، وهم أهل المبهمات.

السابقالتالي
2 3 4 5 6