الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } الآية.

لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم " مكة " ، جاءه نساء أهل " مكة " يبايعنه، فأمر أن يأخذ عليهن أن لا يشركن.

قالت عائشة رضي الله عنها: " والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا بما أمر الله - عز وجل - وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط، وكان يقول إذا أخذ عليهن: " قَدْ بايعْتُكنَّ " كلاماً "

وروي أنه - عليه الصلاة والسلام -، بايع النساء، وبين يديه وأيديهن ثوب، وكان يشترط عليهن.

وقيل: لما فرغ من بيعة الرجال جلس على الصفا، ومعه عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أسفل منه، فجعل يشترط على النساء البيعة، وعمر يصافحهن.

وروي أنَّه كلف امرأة وقفت على الصفا، وكلفها أن تبايعهن، ففعلت.

قال ابن العربي: وذلك ضعيف، وإنما التعويل على ما في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنه المتقدم. قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ } إلى آخر الآية، قالت عائشة: " فمن أقر بهذا من المؤمنات، فقد أقر بالمحنة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انْطَلقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ " ، لا والله ما مَسَّتُ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، غير أنه بايعهن بالكلام "

وقالت أمُّ عطيَّة رضي الله عنها: " لما قدم رسول الله المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب، فقام على الباب فسلَّم فرددن عليه السلام فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن: " ألا تشركن بالله شيئاً " الآية، فقلن: نعم، فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: اللَّهُمَّ اشْهَدْ "

وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه، ثم أمر النساء فغمسن أيديهن فيه.

فصل

روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من بيعة الرجال يوم فتح " مكة " ، وهو على الصفا، وعمر بن الخطَّاب أسفل منه يبايع النساء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغهن عنه، على ألاَّ يشركن بالله شيئاً، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان منتقبة متنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعته بحمزة يوم أحد، فقالت: والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيتك أخذته على الرجال، وكان بايع الرجال يومئذ على الإسلام، والجهاد فقط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ولاَ يَسْرِقْنَ " ، فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله قوتنا، فلا أدري أيحلّ لي أم لا؟.

فقال أبو سفيان: ما أًصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر، فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: وإنَّك لهِنْدُ بِنْتُ عتبة؟ قالت: نعم، فاعف عني ما سلف، فقال عَفَا اللَّهُ عنكِ، ثم قال: { وَلاَ يَزْنِينَ } فقالت هند: أو تزنِي الحُرَّة؟ فقال: { وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } ، أي: لا يئدن الموءودات ولا يسقطن الأجنة، فقالت هند: ربَّيناهُمْ صغاراً وقتلتهم كباراً يوم بدر، وأنت أعلم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان - وهو بكرها - قتل يوم بدر، فضحك عمر حتى استلقى، وتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: { وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } "


السابقالتالي
2 3 4