الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً }

وقوله تعالى: { إِذَا رَأَتْهُمْ } إِلى آخره صفة للسعير والتأنيث باعتبار النار، وقيل لأنه علم لجهنم كما روي عن الحسن. وفيه أنه لو كان كذلك لامتنع دخول أل عليه ولمنع من الصرف للتأنيث والعلمية. وأجيب بأن دخول أل للمح الصفة وهي تدخل الأعلام لذلك كالحسن والعباس وبأنه صرف للتناسب ورعاية الفاصلة، أو لتأويله بالمكان وتأنيثه هنا للتفنن، وإسناد الرؤية إليها حقيقة على ما هو الظاهر وكذا نسبة التغيظ والزفير فيما بعد إذ لا امتناع في أن يخلق الله تعالى النار حية مغتاظة زافرة على الكفار فلا حاجة إلى تأويل الظواهر الدالة على أن لها إدراكاً كهذه الآية، وقوله تعالى:يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ق: 30] وقوله صلى الله عليه وسلم كما في «صحيح البخاري»: " شكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف " إلى غير ذلك، وإذا صح ما أخرجه الطبراني وابن مردويه من طريق مكحول عن أبـي أمامة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من بين عيني جهنم قالوا: يا رسول الله هل لجهنم من عين؟ قال: نعم أما سمعتم الله تعالى يقول: { إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } فهل تراهم إلا بعينين " كان ما قلناه هو الصحيح. وإسنادها إليها لا إليهم للإيذان بأن التغيظ والزفير منها لهيجان غضبها عليهم عند رؤيتها إياهم.

{ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } هو أقصى ما يمكن أن يرى منه، وروي أنه هنا مسيرة خمسمائة عام. وأخرج آدم بن أبـي إياس في «تفسيره» عن ابن عباس أنه مسيرة مائة عام وحكي ذلك عن السدى والكلبـي وروي أيضاً عن كعب، وقيل: مسيرة سنة وحكاه الطبرسي عن الإمام أبـي عبد الله رضي الله تعالى عنه، ونسبه في «إرشاد العقل السليم» إلى السدي والكلبـي { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً } أي صوت تغيظ ليصح تعلق السماع به. وفي «مفردات الراغب» الغيظ أشد الغضب والتغيظ هو إظهار الغيظ وقد يكون ذلك مع صوت مسموع كما في هذه الآية. وقيل: أريد بالسماع مطلق الإدراك كأنه قيل: أدركوا لها تغيظاً { وَزَفِيراً } هو إِخراج النفس بعد مده على ما في «القاموس»، وقال الراغب: هو ترديد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه وشاع استعماله في نفس صوت ذلك النفس، ولا شبهة في أنه مما يتعلق به السماع ولذا استشكلوا تعلق السماع بالتغيظ دون الزفير فأولوا لذلك بما سمعت، وقال بعضهم: إن ما ذكر من قبيل قوله:
ورأيت زوجك قد غدا   متقلداً سيفاً ورمحاً

السابقالتالي
2 3