الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ ٱلظَّنّ } أي تباعدوا منه، وأصل اجتنبه كان على جانب منه ثم شاع في التباعد اللازم له. وتنكير { كَثِيراً } ليحتاط في كل ظن ويتأمل حتى يعلم أنه من أي القبيل، فإن من الظن ما يباح اتباعه كالظن في الأمور المعاشية، ومنه ما يجب كالظن حيث لا قاطع فيه من العمليات كالواجبات الثابتة بغير دليل قطعي وحسن الظن بالله عز وجل، ومنه ما يحرم كالظن في الإلهيات والنبوات وحيث يخالفه قاطع وظن السوء بالمؤمنين، ففي الحديث " إن الله تعالى حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء " وعن عائشة مرفوعاً " من أساء بأخيه الظن فقد أساء بربه الظن إن الله تعالى يقول: { ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ ٱلظَّنّ } " ويشترط في حرمة هذا أن يكون المظنون به ممن شوهد منه التستر والصلاح وأونست منه الأمانة، وأما من يتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث كالدخول والخروج إلى حانات الخمر وصحبة الغواني الفاجرات وإدمان النظر إلى المرد فلا يحرم ظن السوء فيه وإن كان الظان لم يره يشرب الخمر ولا يزني ولايعبث بالشباب.

أخرج البيهقي في «شعب الإيمان» عن سعيد بن المسيب قال: كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرىء مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن إلا نفسه، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده، وما كافيت من عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه، وعليك بإخوان الصدق فكن في اكتسابهم فإنهم زينة في الرخاء وعدة عند عظيم البلاء، ولا تهاون بالحلف فيهينك الله تعالى، ولا تسألن عما لم يكن حتى يكون؛ ولا تضع حديثك إلا عند من تشتهيه، وعليك بالصدق وإن قتلك، واعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين ولا أمين إلا من خشي الله تعالى، وشاور في أمرك الذين يخشون ربهم بالغيب. وعن الحسن كنا في زمان الظن بالناس حرام وأنت اليوم في زمان اعمل واسكت وظن بالناس ما شئت.

واعلم أن ظن السوء إن كان اختيارياً فالأمر واضح، وإذا لم يكن اختيارياً فالمنهي عنه العمل بموجبه من احتقار المظنون به وتنقيصه وذكره بما ظن فيه، وقد قيل نظير ذلك في الحسد على تقدير كونه غير اختياري، ولا يضر العمل بموجبه بالنسبة إلى الظان نفسه كما إذا ظن بشخص أنه يريد به سوءاً فتحفظ من أن يلحقه منه أذى على وجه لا يلحق ذلك الشخص به نقص، وهو محمل خبر

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8