الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } * { فِيهَا فَاكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } * { وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ }

ذكر جل وعلا في هذه الآية أنه وضع الأرض للأنام وهو الخلق، لأن وضع الأرض لهم على هذا الشكل العظيم، القابل لجميع أنواع الانتفاع من إجراء الأنهار وحفر الآبار وزرع الحبوب والثمار، ودفن الأموات وغير ذلك من أنواع المنافع، من أعظم الآيات وأكبر الآلاء التي هي النعم، ولذا قال تعالى: بعده:فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [الرحمن: 13].

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من امتنانه جل وعلا على خلقه بوضع الأرض لهم بما فيها من المنافع، وجعلها آية لهم، دالة على كمال قدرة ربهم واستحقاقه للعبادة وحده، جاء موضحاً في آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى:وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } [الرعد: 3] الآية، وقوله تعالى:هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ } [الملك 15] الآية.

وقوله تعالى:وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } [النازعات: 30-33] وقوله تعالىوَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } [الذاريات: 48] وقوله تعالى:الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً } [البقرة: 22] الآية.

وقوله تعالىوَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكاً } [ق: 7-9] الآية.

وقوله تعالى:هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [البقرة: 29] والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { فِيهَا فَاكِهَةٌ } أي فواكه كثيرة، وقد قدمنا أن هذا أسلوب عربي معروف، وأوضحنا ذلك بالآيات وكلام العرب.

وقوله: { وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } ذات أي صاحبة، والأكمام جمع كم بكسر الكاف، وهو ما يظهر من النخلة في ابتداء إثمارها، شبه اللسان ثم ينفخ عن النور، وقيل: هو ليفها، واختار ابن جرير شموله للأمرين.

وقوله: { وَٱلْحَبُّ } كالقمح ونحوه.

وقوله: { ذُو ٱلْعَصْفِ } ، قال أكثر العلماء: العصف ورق الزرع، ومنه قوله تعالى:فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ } [الفيل: 5] وقيل العصف: التبن.

وقوله: { وَٱلرَّيْحَانُ }: اختلف العلماء في معناه، فقال بعض أهل العلم: هو كل ما طاب ريحه من النبت وصار يشم للتمتع بريحه. وقال بعض العلماء الريحان: الرزق، ومنه قول النجم بن تولب العكلي:
فروح الإله وريحانه   ورحمته وسماء درر
غمام ينزل رزق العباد   فأحيا البلاد وطاب الشجر
ويتعين كون الريحان بمعنى الرزق على قراءة حمزة والكسائي، وأما على قراءة غيرهما فهو محتمل للأمرين المذكورين.

وإيضاح ذلك أن هذه الآية قرأها نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم: { وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } بضم الباء والذال والنون من الكلمات الثلاث، وهو عطف على فاكهة أي فيها فاكهة، وفيها الحب إلخ، وقأه ابن عامر:

{ وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ } ، بفتح الباء والذال والنون من الكلمات الثلاث، وفي رسم المصحف الشامي ذا العصف بألف بعد الذال، مكان الواو، والمعنى على قراءته: وخلق الحب ذا العصف والريحان، وعلى هاتين القراءتين، فالريحان محتمل لكلا المعنيين المذكورين.

السابقالتالي
2 3 4