الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

فهذه الآية الكريمة، اشتملت على أحكام متممة للأحكام المشتملة عليها الآيتان السابقتان عليها. فكأن الله - تعالى - يقولإِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } وبايعهن أيها الرسول الكريم على إخلاص العبادة لله - تعالى -. قال القرطبى ما ملخصه وفى صحيح مسلم عن عائشة قالت " كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمتحن بهذه الآية.. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " انطلقن فقد بايعتكن ". ولا والله ما مست يَدُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَدَ امرأة قط، غير أنه بايعهن بالكلام.. وما مست كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كف امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن " قد بايعتكن كلاما ". والمعنى { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } أى مبايعات لك، أو قاصدات مبايعتك، ومعاهدتك على الطاعة لما تأمرهن به، أو تنهاهن عنه. وأصل المبايعة مقابلة شىء بشىء على سبيل المعاوضة. وسميت المعاهدة مبايعة، تشبيها لها بها، فإن الناس إذا التزموا قبول ما شرط عليهم من التكاليف الشرعية، - طمعا فى الثواب، وخوفا من العقاب، وضمن لهم - صلى الله عليه وسلم - ذلك فى مقابلة وفائهم بالعهد - صار كأن كل واحد منهم باع ما عنده فى مقابل ما عند الآخر. والمقتضى لهذه المبايعة بعد الامتحان لهن، أنهن دخلن فى الإِسلام، بعد أن شرع الله - تعالى - ما شرع من أحكام وآداب.. فكان من المناسب أن يأخذ النبى - صلى الله عليه وسلم - عليهن العهود، بأن يلتزمن بالتكاليف التى كلفهن الله - تعالى - بها. ثم بين - سبحانه - ما تمت عليه المبايعة فقال { عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً } أى يبايعنك ويعاهدنك على عدم الإِشراك بالله - تعالى - فى أى أمر من الأمور التى تتعلق بالعقيدة أو بالعبادة أو بغيرهما. { وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ }. أى ويبايعنك - أيضا - على عدم ارتكاب فاحشة السرقة، أو فاحشة الزنا، فإنهما من الكبائر التى نهى الله - تعالى - عنها. { وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } أى ويبايعنك كذلك، على عدم قتلهن لأولادهن. والمراد به هنا النهى عن قتل البنات، وكان ذلك فى الجاهلية يقع تارة من الرجال، وأخرى من النساء، فكانت المرأة إذا حانت ولادتها حفرت حفرة، فولدت بجانبها، فإذا ولدت بنتا رمت بها فى الحفرة، وسوتها بالتراب، وإذا ولدت غلاما أبقته.

السابقالتالي
2 3