الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }

{ إِذْ } متعلق بيثبت، أَو بدل من البدل، أَو بدل ثالث على القول بجواز تعدد البدل أَو الإِبدال من البدل، ويقدر اذكر إِذ، وإِذا علق بيثبت تعين عود الهاء إِلى الربط { يُوحِى رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ } الذين حضروا بدراً { أَنِّى مَعَكُمْ } فى تثبيت المسلمين وإِعانتهم، والتزلزل بالكفار وترهيبهم، ومصدر الاستقرار مفعول يوحى، أَى يوحى ربك إِلى الملائكة ثبوته معكم { فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } بإِلهام أَن الله ينصرهم، وبالظهور فى جهة المسلمين فى صور الرجال يأَنس بكم المؤمنون، ويرعب منكم الكافرون، وبالكلام بأَن يمشوا أَمام الصف، ويقولوا أَبشروا بنصر الله، وبأَن يقولوا ذلك فى الصف، ويقول القائل منهم سمعت المشركين يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشفن. وفسر قوله: إِنى معكم، أَو قوله: ثبتوا بقوله { سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ } الخوف من المسلمين، ولا دليل فى ذلك على أَن الملائكة قاتلوا يوم بدر، بل الدليل فى قوله { فَاضْرِبُوا } أَيها المؤمنون، خطاب من الملائكة ذكره الله تعالى لنا { فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } لأَن كون الله مع الملائكة لا يتعين أَنه معهم فى قتال يكون منهم لجواز أَن يكون الخطاب فى قوله أَنى معكم للمؤمنين، فيكون مقتضى الظاهر: إِذ يوحى ربك إِلى الملائكة أَنى مع المؤمنين فثبتوهم سأُلقى إِلخ...

ولما صرف الكلام لخطاب المؤمنين أَظهر الذين آمنوا فى قوله فثبتوا الذين آمنوا، وعلى هذا التفسير يكون قوله تعالى: فاضربوا خطاباً للملائكة أَيضاً كالتفسير الأَول، لا للمؤمنين فيبعد دعوى أَنه خطاب للمؤمنين، وأَن المعنى: لقنوا أَيها الملائكة المؤمنين أَنى أَلقى الرعب، وأَن يضربوا فوق الأَعناق إِلخ.. فيكون الضاربون المؤمنين لا الملائكة. ولا تتقوى هذه الدعوى بقوله: معكم، من حيث إِن المعية للخائف، ولا خوف للملائكة، لأَن المعية لا تختص بالخوف، ولا تترجح فيه، بل هى لمطلق الإِعانة، وكذا دعوى أَنه خاطب الله من شاءَ لأَنه لا غائب عنه، وحق أَنه لا غائب عنه، ولكن لا تفسر الآية به، وفوق إِما مفعول لأَضرب ومعناه الرأْس، أَو ما اتصل من الأَعناق بالرأس وهو أَعلاها، على أَنه يلزم الظرفية، وإِما ظرف، أَى أَوقعو الضرب فوق الأَعناق، والذى فوقها هو الرءوس، أَو يقدر اضربوهم فوق الأَعناق وهو أَعلى العنق. والبنان رءُوس الأَصابع فى اليد والرجل، أَو المفاصل والواحد بنانة، وخصها بعض باليد، وقيل: نفس الأَصابع، وإِنها سميت لأَن بها إِصلاح الأَحوال من أَبن بالمقام وبن به أَى أَقام، ولذلك خص بالذكر فى قوله عز وجلبلى قادرين على أَن نسوى بنانه } [القيامة: 4] وخصت هنا لأَن بها القتل. وقيل: المراد هنا باقى الأَطراف، قابل بها فوق الأَعناق. فعن ابن عباس أَنها الجسد كله فى لغة هذيل، والآية توجب أَن لا يضرب فى الأَدب والحد والنكال والتعزير على القدمين، لأَن الله عز وجل أَمر بضرب المشركين على البنان لأَنه أَسرع فى القتل، والمضروب للأَدب أَو نحوه لا يقصد إِلى قتله، والبنان أَصابع القدمين واليدين، وهب أَنها المفاصل ففى القدمين اجتمعت مفاصل البدن كله، وكذا إِن قلنا أَنها الأَطراف فأَصابع القدمين مثلا من الأَطراف، والقول بأَن البنان الجسد كله غير مقبول، وإِن قيل أَنه لغة هذيل فلسنا نفسر القرآن بلغتهم ما وجدنا لغة قريش، وقد قال الله تعالى

السابقالتالي
2