الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ }

الوسوسة والوسواس الصوت الخفي. ويقال لهمس الصائد والكلاب، وصوت الحلي وسواس. والوسوس بكسر الواو الأولى مصدر، وبفتحها الاسم، وهو أيضاً من أسماء الشيطان، كما في قوله تعالىمِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } الناس 4 ويقال لحديث النفس وسواس ووسوسة. ومن إطلاق الوسواس على صوت الحلي قول الأعشى
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل   
ومن إطلاقه على همس الصائد قول ذي الرمة
فبات يشئزه ثأد ويسهره تذؤب الريح والوسواس والهضب   
وقول رؤبة
وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق سرا وقد أون تأوين العقق في الزرب لو يمضغ شربا ما بصق   
وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ } أي كلمه كلاماً خفياً فسمعه منه آدم وفهمه. والدليل على أن الوسوسة المذكورة في هذه الآية الكريمة كلام من إبليس سمعه آدم وفهمه أنه فسر الوسوسة في هذه الآية بأنها قول، وذلك في قوله { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } الآية. فالقول المذكور هو الوسوسة المذكورة. وقد أوضح هذا في سورة " الأعراف " وبين أنه وسوس إلى حواء أيضاً مع آدم، وذلك في قولهفَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ } الأعراف 20 إلى قولهوَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } الأعراف 21-22 لأن تصريحه تعالى في آية " الأعراف " هذه بأن إبليس قاسمهما أي حلف لهما على أنه ناصح لهما فيما ادعاه من الكذب ـ دليل واضح على أن الوسوسة المذكورة كلام مسموع. واعلم أن في وسوسة الشيطان إلى آدم إشكالاً معروفاً، وهو أن يقال إبليس قد أخرج من الجنة صاغراً مذموماً مدحوراً، فكيف أمكنه الرجوع إلى الجنة حتى وسوس لآدم؟ والمفسرون يذكرون في ذلك قصة الحية، وأنه دخل فيها فأدخلته الجنة، والملائكة الموكلون بها لا يشعرون بذلك. وكل ذلك من الإسرائيليات. والواقع أنه لا إشكال في ذلك، لإمكان أن يقف إبليس خارج الجنة قريباً من طرفها بحيث يسمع آدم كلامه وهو في الجنة، وإمكان أن يدخله الله إياها لامتحان آدم وزوجه، لا لكرامة إبليس. فلا محال عقلاً في شيء من ذلك. والقرآن قد جاء بأن إبليس كلم آدم، وحلف له حتى غره وزوجه بذلك. وقوله في هذه الآية الكريمة { عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ } أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود. لأن من أكل منها يكون في زعمه الكاذب خالداً لا يموت ولا يزول، وكذلك يكون له في زعمه ملك لا يبلى أي لا يفنى ولا ينقطع. وقد قدمنا أن قوله هنا { وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } يدل لمعنى قراءة من قرأإِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } الأعراف 20 بكسر اللام. وقولهأَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } الأعراف 20 هو معنى قوله في " طه " { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ }.

السابقالتالي
2