الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ مَا كَانَ } أي ما صح ولا استقام { لأهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مّنَ ٱلاْعْرَابِ } كمزينة وجهينة / وأشجع وغفار وأسلم وأضرابهم { أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } عند توجهه عليه الصلاة والسلام إلى الغزو { وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ } أي لا يصرفوها عن نفسه الكريمة ولا يصونوها عما لم يصنها عنه بل يكابدون ما يكابده من الشدائد، وأصله لا يترفعوا بأنفسهم عن نفسه بأن يكرهوا لأنفسهم المكاره ولا يكرهوها له عليه الصلاة والسلام بل عليهم أن يعكسوا القضية، وإلى هذا يشير كلام الواحدي حيث قال: يقال رغبت بنفسي عن هذا الأمر أي ترفعت عنه. وفي «النهاية» يقال: رغبت بفلان عن هذا الأمر (أي كرهت له ذلك). وجوز في { يَرْغَبُواْ } النصب بعطفه على { يَتَخَلَّفُواْ } المنصوب بأن وإعادة { لا } لتذكير النفي وتأكيده وهو الظاهر والجزم على النهي وهو المراد من الكلام إلا أنه عبر عنه بصيغة النفي للمبالغة، وخص أهل المدينة بالذكر لقربهم منه عليه الصلاة والسلام وعلمهم بخروجه.

وظاهر الآية وجوب النفير إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو بنفسه. وذكر بعضهم أنه استدل بها على أن الجهاد كان فرض عين في عهده عليه عليه الصلاة والسلام وبه قال ابن بطال وعلله بأنهم بايعوه عليه عليه الصلاة والسلام فلا يجب النفير مع أحد من الخلفاء ما لم يلم العدو ولم يمكن دفعه بدونه، وقدر بعضهم في الآية مضافاً إلى { رَّسُولِ } أي أن يتخلفوا عن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خلاف الظاهر؛ وعليه يكون الحكم عاماً وفيه بحث.

وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن زيد أن حكم الآية حين كان الإسلام قليلاً فلما كثر وفشا قال الله تعالى:وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً } [التوبة: 122]، وأنت تعلم أن الإسلام كان فاشياً عند نزول هذه السورة، ولا يخفى ما في الآية من التعريض بالمتخلفين رغبة باللذائذ وسكوناً إلى الشهوات غير مكترثين بما يكابد عليه الصلاة والسلام، وقد كان تخلف جماعة عنه صلى الله عليه وسلم كما علمت لذلك، وجاء أن أناساً من المسلمين تخلفوا ثم ان منهم من ندم وكره مكانه فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم غير مبال بالشدائد كأبـي خيثمة فقد روي " أنه رضي الله تعالى عنه بلغ بستانه وكانت له امرأة حسناء فرشت له في الظل وبسطت له الحصير وقربت إليه الرطب والماء البارد فنظر فقال: ظل ظليل ورطب يانع وماء بارد وامرأة حسناء ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح ما هذا بخير مقام فرحل ناقته وأخذ سيفه ورمحه ومر كالريح فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفه إلى الطريق فإذا براكب يزهاه السراب فقال عليه الصلاة والسلام: كن أبا خيثمة فكانه ففرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم واستغفر له "

السابقالتالي
2