الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }

{ وما كانَ المؤمِنُونَ لينْفِرُوا كافَّةً } إلى الغزو، أى ما يستقيم لهم ذلك، فقوله عز وعلاما كان لأهل المدينة } فيما إذا نفر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه مطلقا، أو فيما إذا نفر واستنفرهم للحاجة إليهم، وقوله { وما كان المؤمنون } فى بعثة السرايا فلا نسخ، قاله ابن عباس، والضحاك، وقتادة، وإنما هى استثناء، ومعنى مراد فى قولهما كان لأهل المدينة ومن حولهم } إلخ ونحوه، إذ لا يمكن أن يراد إيجاب عدم التخلف عليهم كأنهم أجمعين، حتى لا يبقى من يحفظ الوحى، واللام لتأكيد النفى. { فَلوْلا } هلا { نَفَر من كلِّ فرقةٍ } جماعة كثيرة كقبيلة وأهل بلدة { منْهُم } نعت فرقة { طائفةٌ } جماعة قليلة ومكث الباقون، وذلك يدل على أن الفرقة أكبر من الطائفة، لأن القليل هو الذى ينتزع من الكثير، وقد يقال إنهما سواء فى جواز الإطلاق على العدد القليل والكثير، فإذا أطلق أحدهما على الكثير صح استثناء الآخر منه، على أنه مستعمل فى القليل، كما يجوز هذا ولو فى اللفظ الواحد، تقول جاءت من الفرقة الكثيرة فرقة قليلة، أو من الطائفة الكثيرة طائفة قليلة، صرح الجوهرى باستوائهما. { ليتَفقَّهوا } ليتكلفوا العلم عن الرسول { فى الدِّينِ } والواو للماكثين أو للكل باعتبار الماكثين إسنادا لما للبعض إلى الكل، ولأن تفقههم تفقه للنافرين، لأنهم يعملونه، والفقه لغة الفهم والعلم فى الدين أو غيره، وذلك قيد فى الآية بالدين، لأنه المراد، والقرآن نزل بلغة العرب، ثم خص فى عرف العلماء بعلم الدين، وقيل الفقه الوصول إلى علم غائب بعلم شاهد، فهو أخص، واللام متعلق بمكث المقدر، أى ومكث الباقون ليتفقهوا، أو ينفروا، لأن المعنى هلا اقتصروا على نفور طائفة كذا ظهر لى. { ولينْذِرُوا } أى الماكثون { قَومَهم } وهم الطائفة النافرة { إذا رجَعُوا } أى هؤلاء النافرون { إليهم } من الغزو بتعليم ما تعلموه من الأحكام بالسنة، أو بنزول القرآن حال غيبة النافرين { لَعلَّهم يحْذَرونَ } العقاب بالائتمار والانتهاء، فإن العلم فرض كفاية فى صور، وفرض عين فى أخرى، وإذا ضيع فرض الكفاية ضيع فرض العين، والآية دليل على عظم العلم والتعليم، إذ جعلا فى مقابلة الجهاد، بل هما أفضل إذ بهما يعرف الجهاد، ويحيا الدين لما بعد، بل هما الجهاد الأكبر، لأن الأصل فى الجهاد هو الجدال بالحجة، وإنما يعدل عنه إلى الجهاد بالسيف عند المكابرة والعناد. واستدل بعضهم بالآية على أنه يقصد بالتعلم الإرشاد والتعليم والإنذار، وخص الإنذار بالذكر لأنه أهم، وذلك هو الذى ذهبت إليه مع نية نفى الجهل عن نفسه، وبنية فضيلة العلم، وعدم فصل الترفع على الناس، واقتناء الأموال والجاه، وعلو الصيت، ولكنى أقول ذلك من خارج لا من الآية، لأن التعليل فيها للنفر والمكث، من حيث إنه مفعول، فإنك إذا قلت إيت لأكرمك، لا تريد أقصد بإتيانك الإكرام، بل تريد أنى أقربك بالإتيان لتأتى لأكرمك فافهم، وبذلك قال الشيخ إسماعيل الجيطالى.

السابقالتالي
2