الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }

وساعة نسمع استفهاماً مثل قوله الحق: { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله } فحسن الاستنباط يقتضي أن نفهم أن الذي أسلم وجهه لله هو الأحسن ديناً، وفي حديثنا اليومي نقول: ومن أكرم من زيد؟. معنى ذلك أن القائل لا يريد أن يصرح بأن زيداً هو أكرم الناس لكنه يترك ذلك للاستنباط الحسن. ولا يقال مثل هذا على صورة الاستفهام إلا إذا كان المخبر عنه محدداً ومعيناً، والقائل مطمئن إلى أنّ من يسمع سؤاله لن يجد جواباً إلا الأمر المحدد المعين لمسئول عنه. وكأن الناس ساعة تدير رأسها بحثاً عن جوابٍ للسؤال لن تجد إلا ما حدده السائل. { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله } والإجابة على مثل هذا التساؤل: لا أحد أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله. وهكذا نرى أن الله يلقى خبراً مؤكداً في صيغة تساؤل مع أنه لو تكلم بالخبر لكان هو الصدق كله:وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلاً } [لنساء: 122] وسبحانه يلقي إلينا بالسؤال ليترك لنا حرية الجواب في الكلام، كأنه سبحانه يقول: - أنا أطرح السؤال عليك أيها الإنسان وأترك لك الإجابة في إطار ذمتك وحكمك فقل لي من أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله؟ وتبحث أنت عن الجواب فلا تجد أحسن ممن أسلم وجهه لله فتقول: - لا أحد أحسن ممن أسلم وجهه لله. وبذلك تكون الإجابة من المخاطب إقراراً، والإقرار - كما نعلم - سيد الأدلة. { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله } ونعلم أن الكلمة إذا أطلقت في عدة مواضع فهي لا تأخذ معنى واحداً. بل يتطلب كل موضع معنى يفرضه سياق الكلام، فإذا قال الله تعالى:يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106] فذلك لأن الوجه هو العضو المواجه الذي توجد به تميزات تبيّن وتوضح ملامح الأشخاص. لأننا لن نتعرف على واحد من كتفه أو من رجله، بل تعرف الأشخاص من سمات الوجوه. وعندما نسمع قول الحق:كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [القصص: 88] فإننا نتساءل: ما المراد بالوجه هنا؟ إن أردنا الوجه الذي يشبه وجوهنا فهذا وقوع في المحظور، لأن كل شيء متعلق بالله سبحانه وتعالى نأخذه على ضوء " ليس كمثله شيء " نقول ذلك حتى لا يقولن قائل: مادام وجه الله هو الذي لن يهلك يوم القيامة فهل تهلك يده أو غير ذلك؟. لا إن الحق حين قال: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } فالمقصود بذلك ذاته فهو سبحانه وتعالى منزه عن التشبيه وسبحانه القائل:فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } [البقرة: 115] إذن فوجه الله - هنا - هو الجهة التي يرتضيها، والإنسان يتجه بوجهه إلى الكعبة في أثناء الصلاة.

السابقالتالي
2 3 4 5