قوله تعالى: { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } وهو ما جِيبَ من القميص، أي: قُطِعَ. قال ابن جرير: إنما أمر بإدخال يده في جيبه؛ لأنه كان حينئذ عليه مدرعة من صوف ليس لها كُمّ. { فِي تِسْعِ آيَاتٍ } أي: في جملة تسع آيات، وقد ذكرناها في بني إسرائيل. { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ } أي: مبعوثاً أو مرسولاً إليهم، { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً } بينة واضحة. وقرأ قتادة وعلي بن الحسين: " مَبْصَرَة ". قال أبو الفتح ابن جني: قد كَثُرَت المَفْعَلَة [بمعنى الشِّياع والكثرة] في الجواهر والأَحداث، كقولهم: أرض مَضَبَّةٌ: كثيرة الضباب، ومَحْيَاة: كثيرة الحيّات، ومَحْواة أيضاً، ومَفْعَاة: كثير الأفاعي. وأما الأَحداث؛ كقولك: البطْنَة مَوْسَنَة، وأكل الرطب [مَوْرَدَة]، ومنه: المَسْعَاة والمَعْلاة. وقال الزمخشري: هي نحو مَجْبَنَة ومَبْخَلَة [ومَجْفَرَة]، أي: مكاناً يكثر فيه التبصر. قال الزمخشري: جعل [الإبصار لها وهو في الحقيقة] لمتأملها؛ لأنهم لابسوها، وكانوا بسبب منها بنظرهم وتفكرهم فيها. ويجوز أن يراد بحقيقة الإبصار: كل ناظر فيها من كافة أولي العقل، وأن يراد أيضاً فرعون وقومه؛ لقوله: { وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } ، أو جُعلت كأنها تبصر فتهدي؛ لأن العُمْي لا تقدر على الاهتداء، فضلاً عن أن تَهْدِي غيرها، ومنه قولهم: كلمة عَيْنَاء، وكلمة عَوْرَاء؛ لأن الكلمة الحسنة تُرشد، والسيئة تُغوي. { قَالُواْ هَـٰذَا } إشارة إلى ما جاء به موسى عليه الصلاة والسلام { سِحْرٌ مُّبِينٌ }. { وَجَحَدُواْ بِهَا } أي: [بالآيات]، { وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } هذه واو الحال، و " قد " بعدها مضمرة، تقديره: وجحدوا بالآيات وقد استيقنتها أنفسهم. { ظُلْماً وَعُلُوّاً } أي: شركاً وتكبراً عن اتباع موسى.