الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ }؛ نُصِبَ على الحالِ فيها؛ أي في الجنَّة " متكئين " على الأرائكِ؛ أي على السُّرُر في الْحِجَالِ، ولا تكون أريكَةَ إذا اجتَمعا، قال مقاتلُ: ((الأَرَائِكُ: السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ مِنَ الدُّرَر وَالْيَاقُوتِ، مَوْضُونَةٌ بقُضْبَانِ الدُّرِّ وَالذهَب وَالْفِضَّةِ وَألْوَانِ الْجَوَاهِرِ. وَالْحِجَالُ: شِبْهُ الْقِبَاب فَوْقَ السُّرُر))، { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً }؛ لا يصيبُهم في الجنَّة شمسٌ ولا زمهريرٌ؛ أي لا يُصيبهم حرُّ الشمسِ ولا بردُ الزمَّهريرِ، البردُ الشديدُ الذي يحرِقُ ببُرودَتهِ إحراقَ النار.

ورُوي أنَّ هذه الآيات نزَلت في عليٍّ وفاطمةَ وجاريةٍ لهما يقالُ لها فضَّة، قال ابنُ عبَّاس: " مَرِضَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، فَعَادَهُمَا جَدُّهُمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أبُو بَكْرٍ عُمَرُ، فَقَالُوا لِعَلِيٍّ: " لَوْ نَذرْتَ عَلَى وَلَدَيْكَ نَذْراً؟ " فقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: إنْ بَرِئَ وَلَدَايَ مِمَّا بهِمَا صُمْتُ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ كَذلِكَ، وَقَالَتْ جَاريَتُهُمَا كَذلِكَ، فَوَهَبَ اللهُ لَهُمَا الْعَافِيَةَ.

فَانْطَلَقَ عَلِيٌّ رضي الله عنه إلَى سَمْعُونَ الْيَهُودِيِّ فَاسْتَقْرَضَ مِنْهُ ثَلاَثَة أصُعٍ مِنْ شَعِيرٍ، فَطََحَنَتِ الْجَاريَةُ صَاعاً، وَخَبَزَتْ مِنْهُ خَمْسَةَ أقْرَاصٍ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قُرْصٌ، وَصَلَّى عَلِِيٌّ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَتَى الْمَنْزِلَ، فَوُضِعَ الطَّعَامُ بَيْنَ يَدَيْهِ، إذْ أتَاهُمْ مِسْكِينٌ فَوَقَفَ بالْبَاب وَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ، مِسْكِينٌ مِنْ مَسَاكِينِ الْمُسلِمِينَ، أطْعِمُونِي أطْعَمَكُمُ اللهُ مِنْ مَوَائِدِ الْجَنَّةِ، فَسَمِعَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَأَنْشَأَ يَقُولُ: "
فَاطِمَ ذاتَ الْمَجْدِ وَالْيَقِينْ   يَا بنْتَ خَيْرِ النَّاسِ أجْمَعِينْ
أمَا تَرَيْنَ الْبَائِسَ الْمِسْكِينْ   قَدْ قَامَ بالْبَاب لَهُ حَنِينْ
يَشْكُو إلَى اللهِ وَيَسْتَكِينْ   يَشْكُو إلَيْنَا جَائِعٌ حَزِينْ
كُلُّ أمْرِئٍ بكَسْبهِ رَهِينْ   وَفَاعِلُ الْخِيْرِاتِ يَسْتَبينْ
مَوْعِدُهُ فِي جَنَّةٍ عِلِّينْ   حَرَّمَهَا اللهُ عَلَى الضَّنِينْ
وَلِلْبَخِيلِ مَوْقِفٌ مُهِينْ   تَهْوِي بهِ النَّارُ إلَى سِجِّينْ
شَرَابُهُ الْحَمِيمُ وَالْغِسْلِينْ   
" فَأَنْشَأَتْ تَقُولُ: "
أمْرُكَ يَا ابْنَ عَمِّ سَمْعٌ وطَاعَهْ   مَا بي مِنْ لُوْمٍ وَلاَ وَضَاعَهْ
غَدَيْتُ فِي الْخُبْزِ لَهُ صِنَاعَهْ   أُطْعِمُهُ وَلاَ أُبَالِي السَّاعَهْ
أرْجُو إذا أطْعَمْتُ ذا الْمَجَاعَهْ   أنْ ألْحَقَ الأَخْيَارَ وَالْجَمَاعَهْ
وَأدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِي شَفَاعَهْ   
" فَأَعْطَوْهُ طَعَامَهُمْ وَلَمْ يَذُوقُوا لَيْلَتَهُمْ إلاَّ الْمَاءَ. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي أصْبَحُوا صِيَاماً، فَطَحَنَتِ الْجَارِيَةُ الصَّاعَ الثَّانِي، وَخَبَزَتْ مِنْهُ خَمْسَةَ أقْرَاصٍ، فَصَلَّى عَلِيٌّ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أتَى الْمَنْزِلَ فَوُضِعَ الطَّعَامُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإذا بيَتِيمٍ قَدْ وَقَفَ عَلَى الْبَاب، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ، أنَا يَتِيمٌ مِنْ أوْلاَدِ الْمُهَاجِرِينَ، اسْتُشْهِدَ وَالِدِي يَوْمَ الْعَقَبَةِ، أطْعِمُونِي أطْعَمَكُمُ اللهُ مِنْ مَوَائِدِ الْجَنَّةِ، فَسَمِعَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَأَنْشَأَ يَقُولُ: "
فَاطِمَ بنْتَ السَّيِّدِ الْكَرِيمِ   بنْتُ نَبيٍّ لَيْسَ باللَّئِيمِ
قَدْ جَاءَنَا اللهُ بذِي الْيَتِيمِ   مَنْ يَرْحَمِ الْيَوْمَ يَكُنْ رَحِيمِ
مَوْعِدُهُ فِي جَنَّةِ النَّعِيمِ   قَدْ حُرِّمَ الْخُلْدُ عَلَى اللَّئِيمِ
يُسَاقُ فِي الْعُقْبَى إلَى الْجَحِيمِ   

السابقالتالي
2