قوله تعالى ذكره: { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } ، إلى قوله { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }. قال مجاهد: كانت على موسى يومئذ مدرعة فأمره الله أن يدخل كفه في جيبه، ولم يكن لها كُمٌّ. وقيل: أمره أن يدخل يده في قميصه، فيجعلها على صدره ثم يخرجها بيضاء تشبه شعاع الشمس أو نور القمر. قال ابن مسعود: إن موسى أتى فرعون حين أتاه في زرمانقة يعني جبة صوف. وقوله: { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } ، أي تخرج اليد بيضاء مخالفة للون موسى من غير برص. وقيل: من غير مرض. وفي الكلام اختصار وحذف. والتقدير: واجعل يدك في جيبك، وأخرجها تخرج بيضاء. ثم قال: { فِي تِسْعِ آيَاتٍ } ، أي من تسع آيات، و " في " بمعنى " من ". وقيل: بمعنى " مع ". وقيل: المعنى: هذه الآية داخلة في تسع آيات. والمعنى في تسع آيات مرسل أنت بهن إلى فرعون، والتسع الآيات: العصا، واليد، والجدب، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. وقد تقدم تفسيرها بالاختلاف بأشبع من هذا. وقوله: { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } ، يعني فرعون وقومه من القبط. ثم قال: { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } ، أي لما جاءت فرعون وقومه أدلتنا وحججنا، وهي التسع الآيات مبصرة أي مبينة: أي يبصر بها من نظر إليها ورأى حقيقة ما دلت عليه. قال ابن جريج: مبصرة، مبينة. قال فرعون وقومه { هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } ، أي بين للناظرين فيه أنه سحر. / ثم قال: { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } ، أي كذبوا بالآيات أن تكون من عند الله، وقد تيقنوا في أنفسهم أنها من عند الله، فعاندوا بعد تبينهم الحق: قاله ابن عباس. وقوله: { ظُلْماً وَعُلُوّاً } أي اعتداءً وتكبراً. والعامل في ظلم وعلو: جحدوا، وفي الكلام تقديم وتأخير. ثم قال تعالى: { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } ، أي عاقبة تكذيبهم، كيف أغرقوا أجمعين. هذا كله تحذير لقريش أن تحل بهم ما كان حل بمن كان قبلهم. ثم قال { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } ، أي علم منطق الطير، والدواب وغير ذلك. { وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، أي فضلنا بعلم لم يعلمه أحد في زماننا. وروى مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أوحى الله إلى داود صلى الله عليه وسلم أن العبد من عبيدي ليأتيني بالحسنة، فأحطه في جنتي، قال داود: وما تلك الحسنة، قال: يا داود: كربة فرجها عن مؤمن ولو بتمرة. قال داود: حقيق على من عرفك حق معرفتك أن لا ييأس ولا يقنط منك ".