الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ }

{ لانتم } يامعشر المسلمين وبالفارسية هرآينه شماكه مؤمنانيد { اشد رهبة } الرهبة مخافة مع تحزن واضطراب وهى هنا مصدر من المبنى للمفعول وهو رهب اى أشد مرهوبية وذلك لان أنتم خطاب للمسلمين والخوف ليس واقعا منهم بل من المنافقين فالمخاطبون مرهوبون غير خائفين { فى صدورهم } اى صدور المنافقين { من الله } اى من رهبة الله بمعنى مرهوبيته قال فى الكشاف قوله فى صدورهم دال على نفاقهم يعنى انهم يظهرون لكم فى العلانية خوف الله وأنتم اهيب فى صدورهم من الله فان قلت كأنهم كانوا يرهبون من الله حتى يكون رهبتهم منه أشد قلت معناه ان رهبتهم فى السر منكم أشد من رهبتهم من الله التى يظهرونها لكم وكانوا يظهرون رهبة شديدة من الله. يقول الفقير انما رهبوا من المؤمنين لظهور نور الله فيهم فكما ان الظلمة تنفر من النور ولاتقاومه فكذا أهل الظلمة ينفر من أهل النور ولايقوم معه ومرادنا بالظلمة ظلمة الشرك والكفر والرياء والنفاق وبالنور نور التوحيد والايمان والاخلاص والتقوى ولذلك قال تعالىاعلموا ان الله مع المتقين } حيث ان الله تعالى اثبت معيته لأهل التقوى فنصرهم على مخالفيهم { ذلك } اى ماذكر من كون رهبتهم منكم أشد من رهبة الله { بانهم } اى بسبب انهم { قوم لايفقهون } اى شيأ حتى يعلموا عظمة الله تعالى فيخشوه حق خشيته قال بعض الكبار ليس العظمة بصفة للحق تعالى على التحقيق انما هى صفة للقلوب العارفة به فهى عليها كالردآء على لابسه ولو كانت العظمة وصفا للعظيم لعظم كل من رأه ولم يعرفه وفى الحديث " ان الله يتجلى يوم القيامة لهذه الامة وفيها منافقوها فيقول أنا ربكم فيستعيذون به منه ولايجدون له تعظيما وينكرونه لجهلهم به " فاذا تجلى لهم فى العلامة التى يعرفونه بها وجدوا عظمته فى قلوبهم وخروا له ساجدين والحق اذا تجلى لقلب عبد ذهب منه اخطار الاكوان ومابقى الا عظمة الحق وجلاله وفيه تنبيه على ان من علامات الفقه أن يكون خوف العبد من الله أشد من خوفه من الغير وتقبيح لحال اكثر الناس على ماترى وتشاهد قال عليه السلام " من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين " قال بعض العارفين الفقيه عند أهل الله هو الذى لايخاف الا من مولاه ولا يراقب الا اياه ولا يلتفت الى ماسواه ولا يرجوا الخير من الغير ويطير فى طلبه طيران الطير قال بعض الكبار لاينقص الكمل من الرجال خوفهم من سبع او ظالم او نحو ذلك لان الجزع فى النشأة الانسانية اصلى فالنفوس ابدا مجبولة على الخوف ولذة الوجود بعد العدم لايعدلها لذة وتوهم العدم العينى له ألم شديد فى النفوس لايعرف قدره الا العلماء بالله فكل نفس تجزع من العدم أن يلحق بها او بما يقاربها وتهرب منه وترتاع وتخاف على ذهاب عينها فالكامل اضعف الخلق فى نفسه لما يشهده من الضعف فى تألمه بقرصة برغوث فهو آدم ملئان بذله وفقره مع شهوده اصله علما وحالا وكشفا ولذلك لم يصدر قط من رسول ولا نبى ولا ولى كامل فى وقت حضوره انه ادعى دعوى تناقض العبودية ابدا