الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ }

قرأ ابن عامر { تنجيكم من عذاب أليم } مشددة الجيم. الباقون بالتخفيف وقرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وابو جعفر { أنصاراً لله } منوناً. الباقون بالاضافة لقولهم فى الجواب { نحن أنصار الله } وقرأ نافع وحده { أنصاري إلى الله } بفتح الياء. الباقون باسكانها وهما جميعاً جيدان.

يقول الله تعالى مخاطباً للمؤمنين { يا أيها الذين آمنوا } بالله واعترفوا بتوحيده وإخلاص عبادته وصدقوا رسوله { هل أدلكم على تجارة } صورته صورة العرض والمراد به الامر. والتجارة طلب الربح فى شراء المتاع. وقيل لطلب الثواب بعمل الطاعة تجارة تشبيهاً بذلك، لما بينهما من المقاربة { تنجيكم } أي تخلصكم { من عذاب أليم } أي مؤلم، وهو عذاب النار. ثم فسر تلك التجارة فقال { تؤمنون بالله ورسوله } أي تعترفون بتوحيد الله وتخلصون العبادة له وتصدقون رسوله فيما يؤديه اليكم عن الله. وإنما قال { تؤمنون } مع أنه قال { يا أيها الذين آمنوا } لان ذلك جار مجرى قولهيا أيها الذين آمنوا آمنوا } وقد بيناه فيما مضى { وتجاهدون في سبيل الله } يعني قتال اعدائه الكفار { بأموالكم } فتنفقونها فى ذلك { وأنفسكم } فتحاربون بنفوسكم. ثم قال { ذلكم خير لكم } أي ما ذكرته لكم ووصفته أنفع لكم وخير عاقبة إن علمتم ذلك واعترفتم بصحته. وإنما قال { ذلكم خير لكم } مع أن تركه قبيح ومعصية لله، لان المعنى ذلكم خير لكم من رفعه عنكم، لان ما أدى إلى الثواب خير من رفعه إلى نعيم ليس بثواب من الله تعالى. والتكليف خير من رفعه إلى الابتداء بالنعم لكل من عمل بموجبه، وقيل: إيمانكم بالله خير لكم من تضييعه بالمشتهى من أفعالكم { إن كنتم تعلمون } مضار الاشياء ومنافعها وإنما جاز { تؤمنون بالله } مع أنه محمول على التجارة وخبر عنها، ولا يصلح أن يقال التجارة تؤمنون. وإنما يقال التجارة أن تؤمنوا بالله، لانه على طريق ما يدل على خبر التجارة لا على نفس الخبر إذ الفعل يدل على مصدره وانعقاده بالتجارة فى المعنى لا في اللفظ. وفى ذلك توطئة لما بنى على المعنى من الايجاز. والعرب تقول: هل لك فى خير تقدم إلى فلان، فتعوده وأن تقدم اليه.

وقوله { يغفر لكم ذنوبكم } أي متى فعلتم ذلك ستر عليكم ذنوبكم، وجزمه لانه جواب { تؤمنون } لأنه فى معنى آمنوا يغفر لكم. وقال الفراء: هو جواب (هل) وإنما جاز جزم { يغفر لكم } لانه جواب الاستفهام. والمعنى هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم يعلمكم بها، فانكم إن عملتم بها يغفر لكم ذنوبكم وكان ابو عمرو يدغم الراء فى اللام فى قوله { يغفر لكم } ولا يجوز ذلك عند الخليل وسيبويه، لان فى الراء تكرار، ولذلك غلبت المستعلي فى طارد.

السابقالتالي
2