الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ }

{ لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } حيث عبر عن القرار على الجميع بالاستواء على الظهور المخصوص بالدواب والضمير لِـمَا تَرْكَبُونَ } [الزخرف: 12] وأفرد رعاية للفظ. وجمع ظهور مع إضافته إليه رعاية لمعناه. والظاهر أن لام { لِتَسْتَوُواْ } لام كي، وقال الحوفي: من أثبت لام الصيرورة جاز له / أن يقول به هنا، وقال ابن عطية: هي لام الأمر، وفيه بعد من حيث استعماله أمر المخاطب بتاء الخطاب، وقد اختلف في أمره فقيل: إنه لغة رديئة قليلة لا تكاد تحفظ إلا في قراءة شاذة نحو { فبذلك فلتفرحوا } [يونس: 58] أو شعر نحو قوله:
لتقم أنت يابن خير قريش   
وما ذكره المحدثون من قوله عليه الصلاة والسلام: «لتأخذوا مصافكم» يحتمل أنه من المروي بالمعنى، وقال الزجاج: إنها لغة جيدة، وأبو حيان على الأول وحكاه عن جمهور النحويين.

{ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } أي تذكروها بقلوبكم معترفين بها مستعظمين لها ثم تحمدوا عليها بألسنتكم وهذا هو معنى ذكر نعمة الله تعالى عليهم على ما قال الزمخشري. وحاصله أن الذكر يتضمن شعور القلب والمرور على اللسان فنزل على أكمل أحواله وهو أن يكون ذكراً باللسان مع شعور من القلب، وأما الاعتراف والاستعظام فمن نعمة ربكم لاقتضائه الإحضار في القلب لذلك وهذا عين الحمد الذي هو شكر في هذا المقام لا أنه يوجبه وإن كان ذلك التقرير سديداً أيضاً، ومنه يظهر إيثاره على ثم تحمدوا إذا استويتم، ومن جوز استعمال المشترك في معنييه جوز هنا أن يراد بالذكر الذكر القلبـي والذكر اللساني وهو كما ترى.

ولما كانت تلك النعمة متضمنة لأمر عجيب قال سبحانه: { وَتَقُولُواْ سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } أي وتقولوا سبحان الذي ذللـه وجعله منقاداً لنا متعجبين من ذلك، وليس الإشارة للتحقير بل لتصوير الحال وفيها مزيد تقرير لمعنى التعجب، والكلام وإن كان إخباراً على ما سمعت أولاً يشعر بالطلب.

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبـي مجلز قال: رأى الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما وكرم وجههما رجلاً ركب دابة فقال: سبحان الذي سخر لنا هذا فقال: أو بذلك أمرت؟ فقال: فكيف أقول؟ قال: الحمد لله الذي هدانا للإسلام الحمد لله الذي من علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي جعلني في خير أمة أخرجت للناس ثم تقول: { سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } إلى { مُقْرِنِينَ } وهذا يومي إلى أن ليس المراد من النعمة نعمة التسخير، وأخرج ابن المنذر عن شهر بن حوشب أنه فسرها بنعمة الإسلام.

وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه أتي بدابة فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله ثلاثاً والله أكبر ثلاثاً { سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } [الزخرف: 13] إلى

السابقالتالي
2