الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } * { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ }

قال الآلوسى قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ... } حكاية لما جرى بين الكفرة والمنافقين من الأقوال الكاذبة والأحوال الفاسدة وتعجب منها بعد حكاية محاسن أحوال المؤمنين على اختلاف طبقاتهم، والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب. والآية - كما روى عن ابن عباس - نزلت فى رهط من بنى عوف منهم عبد الله بن أبى بن سلول... بعثوا إلى بنى النضير بما تضمنته الجمل المحكية، بقوله - تعالى - { يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ... }. والمراد بالأخوة فى قوله - سبحانه - { يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ } أخوة فى الكفر والفسوق والعصيان... }. والمعنى ألم يصل إلى علمك - أيها الرسول الكريم - حال أولئك المنافقين الذين أظهروا الإِسلام، وأبطنوا الكفر، وهم يقولون لإِخوانهم فى الكفر من أهل الكتاب، وهم يهود بنى النضير، أثناء محاصرتكم - أيها المؤمنون - لهم. يقولون لهم " والله لئن أخرجتم " من دياركم { لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ } أى لنخرجن من ديارنا معكم، لنكون مصاحبين لكم حيثما سرتم. ويقولون لهم - أيضا - { وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً.. } أى ولا نطيع فى شأنكم أحدا أبدا، يريد العدوان عليكم، أو يريد منعنا من الخروج معكم ومؤازرتكم.. ويقولون لهم - كذلك - { وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } أى وإن قاتلكم المسلمون، لنقفن إلى جواركم، ولنقدمن العون الذى يؤدى إلى نصركم. وقوله - سبحانه - { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } رد عليهم، وإبطال لمزاعمهم. أى والله - تعالى - يشهد بأن هؤلاء المنافقين لكاذبون فى أقوالهم، وفى عهودهم.. ثم أبطل - سبحانه - أقوالهم بصورة أكثر تفصيلا فقال { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ }. أى والله لئن أخرج المؤمنون اليهود من ديارهم، فإن هؤلاء المنافقين لا يخرجون معهم، ولئن قاتل المؤمنون اليهود، فإن المنافقين لن ينصروا اليهود، ولئن نصروهم - على سبيل الفرض والتقدير - ليولين المنافقون الأدبار فرارا منكم - أيها المؤمنون -، ثم لا ينصرون بعد ذلك، لاهم ولا من قاموا بنصرهم، لأن الفريقين اجتمعوا على الباطل واتحدت قلوبهم فىالجبن والخور والحرص على الحياة.. فأنت ترى أن هاتين الآيتين الكريمتين، قد وصفتا المنافقين، بالكفر والعصيان، وبالتحالف مع كل محارب للدعوة الإِسلامية، وبنقض العهود، وخلف الوعود، وبالجبن الخالع، والكذب الواضح... وقد تحقق ما أخبرت عنه الآيتان عن هؤلاء المنافقين. فإن يهود بنى النضير عندما جد الجد، وحالت ساعة رحيلهم.. أرسلوا إلى المنافقين يطلبون عونهم، فما كان من المنافقين إلا أن خذلوهم، وتحللوا من وعودهم لهم.. قال صاحب الكشاف فإن قلت كيف قيل { وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ.

السابقالتالي
2 3 4