الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

وهذه الآيات الكريمة جواب عما قاله بعض المؤمنين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو نعلم أى الأعمال أحب إلى الله لعملناها، كما سبق. أن ذكرنا فى سبب قوله - تعالى -يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } فكأنه - سبحانه - بعد أن نهاهم عن أن يقولوا قولا، تخالفه أفعالهم، وضرب لهم الأمثال بجانب من قصة موسى وعيسى - عليهما السلام - وبشرهم بظهور دينهم على سائر الأديان. بعد كل ذلك أرشدهم إلى أحب الأعمال إليه - سبحانه - فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ }. والتجارة فى الأصل معناها التصرف فى رأس المال، وتقليبه فى وجوه المعاملات المختلفة، طلبا للربح. والمراد بها هنا العقيدة السليمة، والأعمال الصالحة، التى فسرت بها بعد ذلك فى قوله - تعالى - { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }. والاستفهام فى قوله - تعالى - { هَلْ أَدُلُّكمْ } للتشويق والتحضيض إلى الأمر المدلول عليه. والمعنى يا من آمنتم بالله - تعالى - وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ألا تريدون أن أدلكم على تجارة رابحة، تنجيكم مزاولتها ومباشرتها، من عذاب شديد الألم؟ إن كنتم تريدون ذلك، فهاكم الطريق إليها، وهى { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ }. فقوله - سبحانه - { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } استئناف مفسر وموضح لقوله { هَلْ أَدُلُّكمْ }؟ فكأن سائلا قال وما هذه التجارة؟ دلنا عليها، فكان الجواب تؤمنون بالله ورسوله. أى تداومون تامة على الإِيمان بالله - تعالى - وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - وتجاهدون فى سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه بأموالكم وأنفسكم. قالوا وقوله { تُؤْمِنُونَ } خبر فى معنى الأمر، ويدل عليه قراءة ابن مسعود آمنوا بالله رسوله، وجاهدوا فى سبيله. وفائدة العدول إلى الخبر الإِشعار بأنهم قد امتثلوا لما أرشدوا إليه، فكأنه - سبحانه - يخبر عن هذا الامتثال الموجود عندهم. وجاء التعبير بقوله { هَلْ أَدُلُّكمْ } لإِفادة أن ما يذكر بعد ذلك من الأشياء التى تحتاج إلى من يهدى إليها، لأنها أمور مرد تحديدها إلى الله - تعالى -. وتنكير لفظ التجارة، للتهويل والتعظيم، أى هل أدلكم على تجارة عظيمة الشأن..؟ وأطلقت التجارة هنا على الإِيمان والعمل الصالح، لأنهما يتلاقيان ويتشابهان فى أن كليهما المقصود من ورائه الربح العظيم، والسعى من أجل الحصول على المنافع. وقدم - سبحانه - هنا الجهاد بالأموال على الجهاد بالأنفس، لأن المقام مقام تفسير وتوضيح لمعنى التجارة الرابحة عن طريق الجهاد فى سبيل الله، ومن المعلوم أن التجارة تقوم على تبادل الأموال، وهذه الأموال هى عصب الجهاد، فعن طريقها تشترى الأسلحة والمعدات التى لا غنى للمجاهدين عنها، وفى الحديث الشريف " من جهز غازيا فقد غزا ".

السابقالتالي
2 3