الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ }

{ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } أي لا تطل نظرهما بطريق الرغبة والميل { إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ } من زخارف الدنيا كالبنين والأموال والمنازل والملابس والمطاعم { أَزْوٰجاً مّنْهُمْ } أي أصنافاً من الكفرة وهو مفعول { مَتَّعْنَا } قدم عليه الجار والمجرور للاعتناء به و { من } بيانية، وجوز أن يكون حالاً من ضمير { به } و { من } تبعيضية مفعول { مَتَّعْنَا } أو متعلقة بمحذوف وقع صفة لمفعوله المحذوف أي لا تمدن عينيك إلى الذي متعنا به وهو أصناف وأنواع بعضهم أو بعضاً كائناً منهم. والمراد على ما قيل استمر على ترك ذلك، وقيل: الخطاب له عليه الصلاة والسلام والمراد أمته لأنه صلى الله عليه وسلم كان أبعد شيء عن إطالة النظر إلى زينة الدينا وزخارفها وأعلق بما عند الله عز وجل من كل أحد وهو عليه الصلاة والسلام القائل: " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أريد به وجه الله تعالى " وكان صلى الله عليه وسلم شديد النهي عن الاغترار بالدنيا والنظر إلى زخرفها، والكلام على حذف مضاف أو فيه تجوز في النسبة، وفي العدول عن لا تنظر إلى ما متعنا به الخ إلى ما في النظم الكريم إشارة إلى أن النظر الغير الممدود معفو وكان المنهي عنه في الحقيقة هو الإعجاب بذلك والرغبة فيه والميل إليه لكن بعض المتقين بالغوا في غض البصر عن ذلك حتى أنهم لم ينظروا إلى أبنية الظلمة وعدد الفسقة في اللباس والمركوب وغيرهما وذلك لمغزى بعيد وهو أنهم اتخذوها لعيون النظارة والفخر بها فيكون النظر إليها محصلاً لغرضهم وكالمغرى لهم على اتخاذها.

{ زَهْرَةَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } أي زينتها وبهجتها وهو منصوب بمحذوف يدل عليه { مَتَّعْنَا } أي جعلنا لهم زهرة أو بمتعنا على أنه مفعول ثان له لتضمينه معنى أعطينا أو على أنه بدل من محل { بِهِ } وضعفه ابن الحاجب في «أماليه» لأن إبدال منصوب من محل جار ومجرور ضعيف كمررت بزيد أخاك ولأن الإبدال من العائد مختلف فيه. ومثل ذلك ما قيل إنه بدل من ما الموصولة لما فيه من الفصل بالبدل بين الصلة ومعمولها أو على أنه بدل من ـ أزواجاً ـ بتقدير مضاف أي ذوي أو أهل زهرة، وقيل: بدون تقدير على كون ـ أزواجاً ـ حالاً بمعنى أصناف التمتعات أو على جعلهم نفس الزهرة مبالغة. وضعف هذا بأن مثله يجري في النعت لا في البدل لمشابهته لبدل الغلط حينئذ أو على / أنه تمييز لما أو لضمير «به»، وحكي عن الفراء أو صفة ـ أزواجاً ـ ورد ذلك لتعريف التمييز وتعريف وصف النكرة، وقيل: على أنه حال من ضمير { به } أو من { ما } وحذف التنوين لالتقاء الساكنين وجر الحياة على البدل من { ما } واختاره مكي ولا يخفى ما فيه، وقيل: نصب على الذم أي اذم زهرة الخ واعترض بأن المقام يأباه لأن المراد أن النفوس مجبولة على النظر إليها والرغبة فيها ولا يلائمه تحقيرها ورد بأن في إضافة الزهرة إلى الحياة الدنيا كل ذم وما ذكر من الرغبة من شهوة النفوس الغبية التي حرمت نور التوفيق.

السابقالتالي
2