{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ } أي الكعبة وهو اسم غالب لها كالنجم للثريا { مَثَابَةً لّلنَّاسِ } مباءة ومرجعاً للحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يثوبون إليه { وَأَمْناً } وموضع أمن فإن الجاني يأوي إليه فلا يتعرض له حتى يخرج وهو دليل لنا في الملتجىء إلى الحرم. { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلًّى } وقلنا أتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه. وعنه عليه السلام أنه أخذ بيد عمر فقال " هذا مقام إبراهيم " فقال عمر أفلا نتخذه مصلى فقال عليه السلام " لم أومر بذلك " فلم تغب الشمس حتى نزلت. وقيل: مصلى مدعى، ومقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه. وقيل: الحرم كله مقام إبراهيم. «واتخذوا» شامي ونافع بلفظ الماضي عطفاً على «جـعلنا» أي واتخذ الناس من مكان إبراهيم الذي وسم به لاهتمامه به وإسكان ذريته عنده قبلة يصلون إليها { وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ } أمرناهما { أَن طَهّرَا بَيْتِىَ } بفتح الياء: مدني وحفص أي بأن طهرا أو أي طهرا والمعنى طهراه من الأوثان والخبائث والأنجاس كلها { لِلطَّائِفِينَ } للدائرين حوله { وَٱلْعَـٰكِفِينَ } المجاورين الذين عكفوا عنده أي أقاموا لا يبرحون أو المعتكفين. وقيل: للطائفين للنزّاع إليه من البلاد والعاكفين والمقيمين من أهل مكة. { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } والمصلحين جـمعاً راكع وساجد. { وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبِ ٱجْعَلْ هَٰذَا } أي اجعل هذا البلد أو هذا المكان { بَلَدًا آمِنًا } ذا أمن كعيشة راضية أو آمناً من فيه كقولك «ليل نائم» فهذا مفعول أول. و«بلداً» مفعول ثانٍ و«آمناً» صفة له. { وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ } لأنه لم يكن لهم ثمرة. ثم أبدل { مَنْ ءَامَنَ مِنْهُم بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } من أهله بدل البعض من الكل أي وارزق المؤمنين من أهله خاصة. قاس الرزق على الإمامة فخص المؤمنين به. قال الله تعالى جواباً له { وَمَن كَفَرَ } أي وارزق من كفر { فَأُمَتّعُهُ قَلِيلاً } تمتيعاً قليلاً أو زماناً قليلاً إلى حين أجله. «فأمتعه»: شامي { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } ألجئه { إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } المرجـع الذي يصير إليه النار فالمخصوص بالذم محذوف. { وَإِذْ يَرْفَعُ } حكاية حال ماضية { إِبْرٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ } هي جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه وهي صفة غالبة ومعناها الثابتة. ورفع الأساس البناء عليها لأنها إذا بنى عليها نقلت عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع وتطاولت بعد التقاصر. { مِنَ ٱلْبَيْتِ } بيت الله وهو الكعبة { وَإِسْمَـٰعِيلُ } هو عطف على إبراهيم وكان ابراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة { رَبَّنَا } أي يقولان ربنا. وهذا الفعل في محل النصب على الحال وقد أظهره عبد الله في قراءته ومعناه يرفعانها قائلين ربنا { تَقَبَّلْ مِنَّا } تقربنا إليك ببناء هذا البيت { إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ } لدعائنا { ٱلْعَلِيمُ } بضمائرنا ونياتنا.