الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ } ملازمين القيام بالعدل مجتهدين فيه. { شُهَدَآءَ للهِ } لوجه الله وهو خبر ثان للكون، أو حال من الضمير المستتر فى قوامين، والمراد بالقسط العدل مطلقا، فى تحمل الشهادة وفى أدائها، وفى الحكم، والأمر والنهى وغير ذلك، أى قوموا قياما عظيما بالعدل حال كونكم مقيمين الشهادة لوجه الله ان شهدتم، ويجوز أن يراد قوامين بالعدل فى أدائها، قاصدين فى أدائها وجه الله. { وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ } ولو شهدتم على أنفسكم، أو ولو كانت الشهادة على أنفسكم، بأن تقروا على أنفسكم، وتنصفوا على أنفسكم، لأن حقيقة الشهادة بيان الحق بحسب طاقة الانسان على نفسه، أو قريبة أو غيرهما كما قالولو كان ذا قربى } ويجوز أن يراد بقوله { وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ } ولو عليكم وعلى قرابتكم كذا ظهر لى، والله أعلم، والحمد لله، ثم أنى رأيته نصا فى قوله { أَوْ الوَالِدَيْنِ وَالأَقرَبِينَ } فليس ذلك بجائز، لأنه مذكور فى الآية بعد، فلا يراد بأنفسكم الولدان والأقربون، وعلى تتضمن الأضرار فى الجملة، أى ولو أقررتم على أنفسكم أو الوالدين والأقربين بما يكون وبالا عليكم أو عليهم، وثنى الوالد ولم يجمعه اعتبارا لأبوى كل واحد من المخاطبين، أو أريد جنس الأبوين الصادق بالآباء والأمهات، ويجوز أن يراد بقوله { شُهَدَآءَ للهِ } شاهدين لله تبارك وتعالى بالوحدانية، وعليه فقوله { وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الوَالِدَيْنِ وَالأَقرَبِينَ } متعلق بمعنى قوله { قَوَّامِينَ } أى تقومون على أنفسكم وأجيز تعليقه بقوامين والمعنى الأول غير هذين مع تعليقه بشهداء، أو بكانت، أو شهدتم، أو أقررتم أو نحو ذلك أولا. وقيل الخطاب فى الآية لقرابة طعمة بن أبيرق، يقول لهم الله لا تراعوا قرابة طعمة، فشهدوا له بما ليس حقا بل أشهدوا بما هو الحق ولو مضرة عليه، والأولى تعميم الخطاب، أمرنا الله جل وعلا أن نشهد بالحق، لا نركن الى غنى لغناه، ولا نثقل عليه لغناه، ولا نرحم فقيرا لفقره فنشهد له بما ليس له، كما قال الله جل وعلا { إِن يَكُنْ غَنِياً أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا } أى ان يكن المشهود عليه غنيا أو فقيرا أو كل واحد من المشهود عليه والمشهود له، وقرأ ابن مسعود عبد الله ان يكون غنى أو فقير على أن كان لها فاعل، وليس لها خبر، ولا قول فى القرآن كان ناقصة اذا كان لها خبر، ولا أقول تامة اذا كان لها فاعل لا خبر تأدبا عن لفظ النقص، ولو كان معناه عدم الدلالة على الحدث، أو عدم المصدر، أو كان معناه الاحتياج، وذكر التمام فى بعض ألفاظ كان ملوح الى النقص فى غيرها، ثم ان لغة الفصحاء افراد ما يعود الى المعطوف والمعطوف عليه بأو التى لأحد الشيئين لا بمعنى الواو نحو زيد أو عمرو قائم، ونحو زيد أو عمر أو بكر قائم، لأن المراد أحد هؤلاء، وانما ثنى فى قوله { فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا } لأن هذا من باب الاستخدام البديعى، فان ضمير التثنية عائد الى جنس الغنى والفقر، وجنس الغنى واحد، وجنس الفقر آخر، وذلك اثنان لا الى الغنى والفقير المفروض أن الشهادة لهما أو عليهما.

السابقالتالي
2 3