الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }

أي صارت مصر والشام تحت إمرة بني إسرائيل، وهي الأرض التي باركها الله، بالخصب، وبالنماء، بالزروع، بالثمار، بالحيوانات، وبكل شيء من مقومات الحياة، وترف الحياة: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ }. { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ } أي استمرت عليهم الكلمة وتم وعد الله الصادق بالتمكين لبني إسرائيل في الأرض ونصره إياهم على عدوهم، واكتملت النعمة لأن الله أهلك عدوهم وأورثهم الأرض، وتحققت كلمته سبحانه التي جاءت على لسان موسى:وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [الأعراف: 129]. هكذا تمت كلمة الله بقوله سبحانه: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا.. } [الأعراف: 137]. ونعلم أن كلمة " مشارق ومغارب " تقال بالنسبيات فليس هناك مكان اسمه مشرق وآخر اسمه مغرب، لكن هذه اتجاهات نسبية فيقال هذا مشرق بالنسبة لمكان ما، وكذلك يقال له " مغرب " بالنسبة لمكان آخر. وحين ينتقل الإِنسان إلى مكان آخر يوجد مشرق آخر ومغرب آخر. وعلى سبيل المثال نجد من يسكن في الهند واليابان يعلمون أن منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لهم مغرب، ومن يسكنون أوروبا يعرفون أن الشرق الأوسط بالنسبة لهم مشرق. وقلنا من قبل: إن الحق حين جاء " بالمشرق والمغرب " بصيغة الجمع كما هنا فذلك إنما يدل على أن لكل مكان مشرقاً، ولكل مكان مغرباً فإذا غربت الشمس في مكان فهي تشرق في مكان آخر. وفي رمضان نجد الشمس تغرب في القاهرة قبل الإسكندرية بدقائق. ونعلم أن سبب هذه الدورة إنما هو ليبقى ذكر الله بكل مطلوبات الله في كل أوقات الله، مثال ذلك حين نصلى نحن صلاة الفجر نجد أناساً يصلون في اللحظة نفسها صلاة الظهر، ونجد آخرين يصلون صلاة العصر، وقوماً غيرهم يصلون صلاة المغرب، وغيرهم يصلي صلاة العشاء. وبذلك تحقق إرادة الله في أن هناك عبادة في كل وقت وفي كل لحظة، فحين يؤذن مسلم قائلاً " الله أكبر " لينادي لصلاة الفجر، هناك مسلم آخر يقول: " الله أكبر " مناديًّا لصلاة الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء، وهذا هو الاختلاف في المطالع أراد به سبحانه أن يظل اسمه مذكوراً على كل لسان في كل مكان لتعلو " الله أكبر، الله أكبر " في كل مكان. وأنت إذا حسبت الزمن بأقل من الثانية تجد أن كون الله لا يخلو من " لا إله إلا الله " أبداً: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ }. ونعلم أن كلمة " الحسنى " وصف للمؤنث، و " كلمة " مؤنثة، والكلمة هي قوله الحق:وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } [القصص: 5].

السابقالتالي
2