الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

والمقصود بقوله: { وَلاَ تَهِنُوا } [آل عمران: 139] أي لا تضعفوا، وهي أمر خاص بالمسألة البدنية لأن الجراحات أنهكت الكثيرين في موقعة أُحُد لدرجة أن بعضهم أقعد، ولدرجة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقدر أن يصعد الجبل، وحمله طلحة بن عبيد الله على ظهره ليقوم، لذلك قال الحق: { وَلاَ تَهِنُوا } [آل عمران: 139]، لأنك عندما تستحضر أنك مؤمن وأن الله لن يخلي بينك وبين جنود الباطل لأنك نصير للحق، والحق من الله وهو الحق لا يسلم نبيه وقومه لأعدائهم، فيوم تأتي لك هذه المعاني إياك أن تضعف. والضعف هو نقصان قوة البدن. { وَلاَ تَحْزَنُوا } [آل عمران: 139] والحزن مواجيد قلبية، وهم قد حزنوا فقد مات منهم كثير. مات منهم خمسة وسبعون شهيداً، خمسة من المهاجرين، وسبعون من الأنصار، وهذه عملية صعبة وشاقة، وقد حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الشهداء، وغضب لمقتل حمزة - رضي الله عنه - وقال: " لن أُصاب بمثلك أبداً! وما وقفت موقفاً قط أغيظ إليّ من هذا " ثم قال: " لئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم مكانك ". فقال الحق: { وَلاَ تَحْزَنُوا } [آل عمران: 139] لماذا؟ لأنك يجب أن تقارن الحدث بالغاية من الحدث. صحيح أن القتل صعب وإزهاق للنفس، ولكن انظر إلى أين ذهب. وانظر ماذا خلف من بعده. أما هو فقد ذهب إلى حياة عند ربه وهي ليست كالحياة عندكم. إن الحياة عندنا لها مقاييس، والحياة عند ربنا لها مقاييس، فهل مقاييسنا أعلى من مقاييسه؟ لا، حاشا لله. إذن فإذا نظرت إليه هو فاعلم أنه ذهب لخير مما ترك، فلا تحزن عليه بل تفرح له لأنه ما دامت الغاية ستصل إلى هذه المسألة. إذن فقد قصر له مسافة الحياة، وما دامت الغاية أن يصل إلى رحمة الله وإلى حياة عند الله بكافة معانيها، فهو سعيد بجوار ربه، ونحن في الغايات الدنيوية عندما نريد أن نذهب إلى مكان نُسَرّ ممن يعجل لنا الزمن لنصل إلى هذا المكان. فبدلاً من أن أذهب إلى الإسكندرية ماشياً أذهب راكباً حصاناً أو أذهب راكباً سيارة، والمترفه يذهب راكباً طائرة، فإذا كانت الغاية مرجوَّة ومحببّة إلى النفس، وبعد ذلك يجيء لك حدث يقرب لك المسافة من الغاية، فلماذا تحزن إذن؟ لقد استشهد. إياك أن تقول: إنّ الله حرمني قوته في نصرة الحق، لا. هو أعطى قوة أخرى لكثير من خلقه نصر بهم الحق، إنك عندما تعرف أن إنساناً باع نفسه لله، لا بد أن تعرف أن الغاية عظيمة ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة بدر، يقدم أهله لأنه يعرف أنه إن قُتل واحد منهم إلى أين سيذهب، إذن فهو يحب أهله، لكنه يحبهم الحب الكبير، والناس تحب أهلها هنا أيضاً لكن الحب الدنيوي.

السابقالتالي
2 3