الرئيسية - التفاسير


* تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } * { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

شرح الكلمات:

يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم: أي يتقدمهم نورهم الذي اكتسبوه بالإِيمان والعمل الصالح بمسافات بعيدة يضيء لهم الصراط الذي يجتازونه إلى الجنة.

بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار: أي تقول لهم الملائكة الذين أُعدوا لاستقبالهم بشراكم.

ذلك هو الفوز العظيم: أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم الذي لا أعظم منه.

المنافقون والمنافقات: أي الذين كانوا يخفون الكفر في نفوسهم ويظهرون الإِيمان والإِسلام بألسنتهم.

تقتبس من نوركم: أي أنظروا إلينا بوجوهكم نأخذ من نوركم ما يضيء لنا الطريق.

قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً: أي يقال لهم استهزاءً بهم ارجعوا وراءكم إلى الدنيا حيث يطلب النور هناك بالإِيمان وصالح الأعمال بعد التخلي عن الشرك والمعاصي فيرجعون وراءهم فلم يجدوا شيئاً.

فضرب بينهم بسور له باب باطنه الرحمة: أي فضرب بينهم وبين المؤمنين بسور عال له باب باطنه الذي هو من جهة المؤمنين الرحمة.

وظاهره من قبله العذاب: أي الذي من جهة المنافقين في عرصات القيامة العذاب.

ينادونهم ألم نكن معكم: أي ينادي المنافقون المؤمنين قائلين ألم نكن معكم في الدنيا على الطاعات أي فنصلي كما تصلون ونجاهد كما تجاهدون وننفق كما تنفقون.

قالوا بلى: أي كنتم معنا على الطاعات.

ولكنكم فتنتم أنفسكم: أي بالنفاق وهو كفر الباطن وبغض الإِسلام والمسلمين.

وتربصتم: أي الدوائر بالمسلمين أي كنتم تنتظرون متى يهزم المؤمنون فتعلنون عن كفركم وتعودون إلى شرككم.

وغركم بالله الغرور: أي وغركم بالإِيمان بالله ورسوله حيث زين لكم الكفر وكره إليكم الإِيمان الشيطان.

فاليوم لا يؤخذ منكم فدية: أي مال تفدون به أنفسكم إذ لا مال يومئذ ينفع ولا ولد.

ولا من الذين كفروا: أي ولا فدية تقبل من الذين كفروا.

مأواكم النار هي مولاكم: أي مستقركم ومكان إيوائكم النار وهي أولى بكم لخبث نفوسكم.

وبئس المصير: أي مصيركم الذي صرتم إليه وهو النار.

معنى الآيات:

قوله تعالى { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } هذا الظرف متعلق بقوله { وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } في آخر الآية السابقة أي لهم أجر كريم يوم ترى المؤمنين والمؤمنات في عرصات القيامة نورهم الذي اكتسبوه بإيمانهم وصالح أعمالهم في دار الدنيا ذلك النور يمشي أمامهم يهديهم إلى طريق الجنة، وقد أعطوا كتبهم بأيمانهم. وتقول لهم الملائكة الذين أعدوا لتلقيهم واستقبالهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار أي تجري الأنهار أنهار الماء واللبن والخمر والعسل من خلال الأشجار والقصور خالدين فيها ماكثين أبدا لا يموتون ولا يخرجون. قال تعالى { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } إذ هو نجاة من النار ودخول الجنان في جوار الرحمن. وقوله تعالى { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ } بدل من من قوله يوم ترى المؤمنين والمؤمنات، والمنافقون والمنافقات وهم الذين كانوا في الحياة الدنيا يخفون الكفر في أنفسهم ويظهرون الإِيمان بألسنتهم والإِسلام بجوارحهم يقولون للذين آمنوا انظرونا أي اقبلوا علينا بوجوهكم ذات الأنوار نقتبس من نوركم أي نأخذ من نوركم ما يضيء لنا الطريق مثلكم قيل فيقال لهم استهزاء بهم { ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } إشارة إلى أن هذا النور يطلب في الدنيا بالإِيمان وصالح الأعمال فيرجعون إلى الوراء وفوراً يضرب بينهم وبين المؤمنين بسور عال { لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ } وهو يلي المؤمنين فيه الرحمة { وَظَاهِرُهُ } وهو يلي المنافقين { مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } فيأخذون في ندائهم ألم نكن معكم على الطاعات أيها المؤمنون فقد كنا نصلي معكم ونجاهد معكم وننفق كما تنفقون فيقول لهم المؤمنون بلى أي كنتم معنا في الدنيا على الطاعات في الظاهر ولكنكم فتنتم أنفسكم بالنفاق وتربصتم بنا الدوائر لتعلنوا عن كفركم وتعودوا إلى شرككم، وارْتَبتُم أي شككتم في صحة الإِسلام وفي عقائده ومن ذلك البعث الآخر وغرتكم الأماني الكاذبة والأطماع في أن محمداً لن ينتصر وأن دينه لن يظهر، حتَّى جاء أمر الله بنصر رسوله وإظهار دينه وغركم بالله الغرور أي بالإِيمان بالله أي بعد معاجلته لكم بالعذاب والستر عليكم وعدم كشف الستار عنكم وإظهاركم على ما أنتم عليه من الكفر الغرور أي الشيطان إذ هو الذي زين لكم الكفر وذكركم بعفو الله وعدم مؤاخذته لكم.

السابقالتالي
2