الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ }

والحواريون جمع حوارى. وهم أنصار عيسى - عليه السلام - الذين آمنوا به وصدقوه، وأخلصوا له ولازموه، وكانوا عونا له فى الدعوة إلى الحق، وكانوا اثنى عشر رجلا. يقال فلان حوارى فلان، أى هو من خاصة أصحابه، ومنه قول البنى - صلى الله عليه وسلم - فى الزبير بن العوام " لكل نبى حوارى، وحواريى الزبير ". وأصل الحور شدة البياض والصفاء، ومنه قولهم فى خالص لباب الدقيق الحوارى، وفى النساء البيض الحسان الحواريات والحوريات. وسمى الله - تعالى - أصفياء عيسى وأنصاره بذلك لشدة إخلاصهم له، وطهارة قلوبهم من الغش والنفاق، فصاروا فى نقائهم وصفائهم كالشىء الأبيض الخالص. والأنصار جمع نصير، وهو من ينصر غيره نصرا شديدا مؤزرا. والمراد بنصر الله - تعالى - نصر دينه وشريعته ونبيه الذى أرسله بالهدى، ودين الحق. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو كونوا أنصاراً لله. والمعنى يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان داوموا وواظبوا على أن تكونوا أنصاراً لدين الله فى كل حال، كما كان الحواريون كذلك، عندما دعاهم عيسى - عليه السلام - إلى نصرته والوقوف إلى جانبه. فالكلام محمول على المعنى، والمقصود منه حض المؤمنين على طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى الاستجابة التامة لما يدعوهم إليه، كما فعل الحواريون مع عيسى، حيث ثبتوا على دينهم، وصدقوا مع نبيهم، دون أن تنال منهم الفتن أو المصائب. قال صاحب الكشاف فإن قلت ما وجه صحة التشبيه - وظاهره تشبيه كونهم أنصاراً بقول عيسى { مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ }. قلت التشبيه محمول على المعنى، وعليه يصح، والمراد كونوا أنصار الله، كما كان الحواريون أنصار عيسى كذلك حين قال لهم من أنصارى إلى الله. فإن قتل فما معنى قوله { مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ }؟ قلت يجب أن يكون معناه مطابقا لجواب الحواريين { نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ } والذى يطابقه أن يكون المعنى من جندى متوجها إلى نصرة دين الله. والاستفهام فى قوله - تعالى - { مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } للحض على نصرته والوقوف إلى جانبه. وأضافهم - عليه السلام - إليه، باعتبارهم أنصار دعوته ودينه. وقوله { إِلَى ٱللَّهِ } متعلق بأنصارى، ومعنى " إلى " الانتهاء المجازى. أى قال عيسى للحواريين على سبيل الامتحان لقوة إيمانهم من الجند المخلصون الذين أعتمد عليهم بعد الله - تعالى - فى نصرة دينه، وفى التوجه إليه بالعبادة والطاعة وتبليغ رسالته..؟ فأجابوه بقولهم نحن أنصار دين الله - تعالى - ونحن الذين على استعداد أن نبذل نفوسنا وأموالنا فى سبيل تبليغ دعوته - عز وجل - ومن أجل إعلاء كلمته.

السابقالتالي
2