الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً }

أي والحال أنكم على حال منافية لما أنتم عليه بالكلية وهو أنكم تعلمون أنه عز وجل خلقكم مدرجاً لكم في حالات عناصر ثم أغذية ثم أخلاطاً ثم نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً ثم عظاماً ولحوماً ثم خلقاً آخر، فإن التقصير في توقير من هذا شأنه في القدرة القاهرة والإحسان التام مع العلم بذلك مما لا يكاد يصدر عن العاقل، فالجملة حال من فاعللاَ تَرْجُونَ } [نوح: 13] مقررة للإنكار.

والأطوار الأحوال المختلفة وأنشدوا قوله:
فإن أفاق فقد طارت عمايته   والمرء يخلق طوراً بعد أطوار
/ وحملها على ما سمعت من الأحوال مما ذهب إليه جمع وعن ابن عباس ومجاهد ما يقتضيه وإن اقتصرا على ذكر النطفة والعلقة والمضغة. وقيل المراد بها الأحوال المختلفة بعد الولادة إلى الموت من الصبا والشباب والكهولة والشيوخة والقوة والضعف. وقيل من الألوان والهيآت والأخلاق والملل المختلفة. وقيل من الصحة والسقم وكمال الأعضاء ونقصانها والغنى والفقر ونحوها.

هذا وقيل الرجاء بمعنى الأمل كما هو الأصل المعروف فيه، والوقار بمعنى التوقير كالسلام بمعنى التسليم وأريد به التعظيم ولِلَّهِ } [نوح: 13] بيان للموقر المعظم فهو خبر مبتدأ محذوف أي إرادتي لله أو متعلق بمحذوف يفسره المذكور أي وقاراً لله ولم يعلق بالمذكور بناءً على ما صحح على ما فيه من أن معمول المصدر مطلقاً لا يتقدم عليه ولو تأخر لكان صلة له على ما في «الكشاف» وفيه ((أن المعنى ما لكم لا تكونون على حال تأملون فيها تعظيم الله تعالى إياكم في دار الثواب))، وحاصله ما لكم لا ترجون أن توقروا وتعظموا على البناء للمفعول فكأنه قيل لمن التوقير أي من الذي يعظمنا ويختص به إعظامه إيانا فقيل لله وفسره بقوله على حال الخ إشارة إلى أنه ينعي عليهم اغترارهم كأنه قيل ما لكم مغترين غير راجين. وجعل الحث على الرجاء كناية عن الحث على الإيمان والعمل الصالح لاقتضائه انعقاد الأسباب بخلاف الغرور وهي كناية إيمائية إذ لا واسطة ولو جعلت رمزية لخفاء الفرق بين الرجاء والغرور على الأكثر لكان وجهاً قاله في «الكشف».

وتعقب ذلك مفتي الديار الرومية عليه الرحمة بأن عدم رجاء الكفرة لتعظيم الله تعالى إياهم في دار الثواب ليس في حيز الاستبعاد والإنكار مع أن في جعل الوقار بمعنى التوقير من التعسف وفي جعللِلَّهِ } [نوح: 13] بياناً للموقر ودعوى أنه لو تأخر لكان صلة للوقار من التناقض ما لا يخفى فإن كونه بياناً للموقر يقتضي أن يكون التوقير صادراً عنه تعالى والوقار وصفاً للمخاطبين وكونه صلة للوقار يوجب كون التوقير صادراً عنهم والوقار وصفاً له عز وجل انتهى.

السابقالتالي
2