الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: قرأ أبو عمرو: { وَعَدْنَا } بغير ألف، والباقون { وٰعَدْنَا } بالألف على المفاعلة، وقد مر بيان هذه القراءة في سورة البقرة. المسألة الثانية: اعلم أنه روي أن موسى عليه السلام وعد بني إسرائيل وهو بمصر: أن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب، فهذه الآية في بيان كيفية نزول التوراة، واعلم أنه تعالى قال في سورة البقرة: { وَإِذْ وٰعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } وذكر تفصيل تلك الأربعين في هذه الآية. فإن قيل: وما الحكمة ههنا في ذكر الثلاثين ثم إتمامها بعشر؟ وأيضاً فقوله: { فَتَمَّ مِيقَـٰتُ رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } كلام عار عن الفائدة، لأن كل أحد يعلم أن الثلاثين مع العشر يكون أربعين. قلنا: أما الجواب عن السؤال الأول فهو من وجوه: الوجه الأول: أنه تعالى أمر موسى عليه السلام بصوم ثلاثين يوماً وهو شهر ذي القعدة فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فيه فتسوك فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأوحى الله تعالى إليه أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك، فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لهذا السبب. والوجه الثاني: في فائدة هذا التفضيل أن الله أمره أن يصوم ثلاثين يوماً وأن يعمل فيها ما يقربه إلى الله تعالى، ثم أنزلت التوراة عليه في العشر البواقي، وكلمه أيضاً فيه. فهذا هو الفائدة في تفصيل الأربعين إلى الثلاثين وإلى العشرة. والوجه الثالث: ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني في سورة طه ما دل على أن موسى عليه السلام بادر إلى ميقات ربه قبل قومه، والدليل عليه قوله تعالى: { وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ مُوسَىٰ قَالَ هُمْ أُوْلاء عَلَىٰ أَثَرِى } فجائز أن يكون موسى أتى الطور عند تمام الثلاثين، فلما أعلمه الله تعالى خبر قومه مع السامري، رجع إلى قومه قبل تمام ما وعده الله تعالى، ثم عاد إلى الميقات في عشرة أخرى، فتم أربعون ليلة. والوجه الرابع: قال بعضهم لا يمتنع أن يكون الوعد الأول حضره موسى عليه السلام وحده، والوعد الثاني حضر المختارون معه ليسمعوا كلام الله تعالى، فصار الوعد مختلفاً لاختلاف حال الحاضرين والله أعلم. والجواب عن السؤال الثاني: أنه تعالى إنما قال: { أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } إزالة التوهم أن ذلك العشر من الثلاثين لأنه يحتمل أتممناها بعشر من الثلاثين، كأنه كان عشرين، ثم أتمه بعشر، فصار ثلاثين، فأزال هذا الإيهام. أما قوله تعالى: { فَتَمَّ مِيقَـٰتُ رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } ففيه بحثان: البحث الأول: الفرق بين الميقات وبين الوقت، أن الميقات ما قدر فيه عمل من الأعمال، والوقت وقت للشيء قدرة مقدر أولاً.

السابقالتالي
2