الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ } أي: أبدع وأظهر " جنات معروشات " أي: ممسوكات، " وغير معروشات " أي: ومتروكات على وجه الأرض.

وقال ابن عباس: " المعروشات ": ما انبسط على وجه الأرض وانتشر مما يعرش؛ كالكرم والقرع والبطيخ. " وغير معروشات ": ما قام على ساق وبسق؛ كالنخل وسائر الأشجار والزرع.

وقال الضحاك: الكرم منه ما يعرش ومنه ما لم يعرش.

وقيل: " المعروشات ": ما أنبته الناس في الأرياف والعمران، " وغير معروشات ": مما نبت بنفسه في البراري، كأن الذي أنبته الناس اهتمّوا به فعرّشوه، والذي نبت بنفسه في البراري غير معروش. تقول: عرشت الكَرْم؛ إذا جعلت له دعائم.

قرأ علي عليه السلام: " مغروسات وغير مغروسات " ، بالغين المعجمة والسين المهملة فيهما.

{ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ } يعني: ثمر النخل وحب الزرع، لكلِّ شيء منه طعم يُخالفُ طعم الآخر.

و { مُخْتَلِفاً } حال مقدرة؛ لأنها لم يكن لها وقت الإنشاء أُكُلٌ فيوصف بالاختلاف. ومثله قوله تعالى:فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر: 73].

قال الزجاج: هذه مسألة شديدة في النحو إلا على من عرف حقيقتها، لأن للقائل أن يقول: كيف أنشأه في حال اختلاف أُكله وهو قد نشأ من قبل وقوع أَكُلِه؟ وأُكُلُهُ ثمره.

فالجواب في ذلك: أنه عز وجل قد ذكر إنشاءَهُ بقوله:هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 102].

فأعلم جل وعز أنه المنشئ له في حال اختلاف أُكُلِهِ، ويجوز أن يكون أنشأَهُ ولا أكل فيه مختلفاً أُكُلُه، لأن المعنى: مُقَدِّراً ذلك فيه، كما تقول: لَتَدْخُلُنَّ منزل زيد آكلين شاربين. فالمعنى: أنكم تدخلون مُقَدِّرِينَ ذلك. وسيبويه هو دلّ على هذا وبيّنه في قوله: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ معه صَقْرٌ صائداً به غداً، فنصب " صائداً " على الحال. والمعنى: مُقَدِّراً به الصيد.

قوله تعالى: { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ } أمرُ إباحة.

{ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قرأ ابن عامر وعاصم وأبو عمرو: " حَصَادِه " بفتح الحاء -وهي لغة بني تميم وأهل نجد-، وكسرها الباقون - وهي لغة أهل الحجاز -.

قال سيبويه: وهو الأصل.

وفي المراد بهذا الحق قولان:

أحدهما: أنَّه الزكاة. قاله ابن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري، ومحمد ابن الحنفية، وقتادة.

فعلى هذا القول: الآية مدنية، وهي محكمة.

والثاني: أنَّه حقٌّ غير الزكاة.

قال مجاهد: إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم منه، وإذا دسته وذَرَيْتَه فاطرح لهم منه، وإذا أكدسته فاطرح لهم منه، فإذا عرفت كيله فاعزل زكاته.

وقال الربيع: هو لقاط السنبل.

وقال [يزيد] بن الأصم: كان أهل المدينة إذا صرموا يجيئون بالعذق فيعلقونه في جانب المسجد، فيجيء المسكين فيضربه بعصاه فيسقط منه فيأخذه.

السابقالتالي
2