الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ }

قوله تعالى: { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ }: تقدَّم الخلاف في وَعَدْنا وواعَدْنا. وأتى الظرف بعده مفعول ثان على حَذْفِ مضاف، ولا يجوز أن يكون ظرفاً لفساد المعنى في البقرة فكذا هنا، أي: وَعَدْناه تمامَ ثلاثين، أو أثناءها أو مناجاتها.

قوله: { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } في هذا الضميرِ قولان، أحدهما: أنه يعودُ على المُواعدة المفهومةِ مِنْ " واعَدْنا " ، أي: وأَتْمَمْنا مواعدته بعشر. والثاني: أنها تعودُ على ثلاثين قاله الحوفي. قال الشيخ: " ولا يَظْهر لأنَّ الثلاثين لم تكن ناقصةً فتمَّ بعشر ". وحُذِف تمييز " عشر " لدلالة الكلام عليه، أي: وأَتْمَمْناها بعشرِ ليال. وفي مُصْحف أُبَيّ " تَمَّمناها " بالتضعيف، عَدَّاه بالتضعيف.

قوله: { فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ } الفرق بين الميقات والوقت: أن المِيقات ما قُدِّر فيه عملٌ من الأعمال، والوقت وقت للشيء من غير تقديرِ عمل أو تقريره. وفي نصب " أربعين " أوجهٌ أحدها: أنه حال. قال الزمخشري: " وأربعين " نصب على الحال أي: تَمَّ بالغاً هذا العدد ". قال الشيخ: " فعلى هذا لا تكونُ الحال " أربعين " ، بل الحالُ هذا المحذوفُ فيُنافَى قوله ". قلت: لا تنافيَ فيه لأن النحاة لم يزالوا ينسبون الحكم للمعمول الباقي بعد حَذْف عامله المنوبِ عنه، وله شواهد منها: " زيد في الدار أو عندك " فيقولون: الجارُّ والظرف خبر، والخبر في الحقيقة إنما هو الحَدَثُ المقدَّر العاملُ فيهما. وكذا يقولون: " جاء زيد بثيابه " " بثيابه " حال، والحال إنما هو العامل فيه، إلى غير ذلك. وقدَّره الفارسي بـ " معدوداً " قال: كقولك: " تمَّ القوم عشرين رجلاً " أي: معدودين هذا العدد " وهو تقدير حسن.

الثاني: أن ينتصب " أربعين " على المفعول به، قال أبو البقاء: " لأنَّ معناه بلغ، فهو كقولهم: بَلَغَتْ أرضك جَرِيبَيْن " ، أي يُضَمِّن " تَمَّ " معنى " بلغ ". الثالث: أنه منصوبٌ على الظرف. قال ابن عطية: " ويصحُّ أن تكون " أربعين " ظرفاً من حيث هي عددُ أزمنة ". وفي هذا نظر كيف يكون ظرفاً للتمام، والتمام إنما هو بآخر جزء من تلك الأزمنة؟ إلا بتجوز بعيد: وهو أنَّ كلَّ جزءٍ من أجزاء الوقت سواء كان أولاً أم آخراً إذا نقص ذهب التمامُ. الرابع: أن ينتصب على التمييز. قال الشيخ: " والأصل: " فتمَّ أربعون ميقاتُ ربه " ثم أسند التمام إلى ميقات، وانتصب " أربعون " على التمييز، فهو منقولٌ من الفاعلية " يعني فيكون كقولِه:وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } [مريم: 4] وهذا الذي قاله وجَعَلَه هو الذي يظهر يُشكل بما ذكره هو في الردِّ على الحوفي، حيث قال هناك: " إن الثلاثين لم تكن ناقصةً فتتمَّ " كذلك ينبغي أن يُقالَ هنا إن الأربعين لم تكن ناقصةً فتتمَّ، فكيف يُقَدِّر " فتمَّ أربعون ميقات ربه "؟ فإنْ أجابَ هنا بجواب فهو جوابٌ هناك لِمَنْ اعترض عليه.

السابقالتالي
2