الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } [الآية: 143].

قال أبو سعيد: من غَيرَةِ الله تعالى أنه لم يكلم موسى إلا فى جوف الليل، وغيَّبه عن كل ذى حسب حتى لم يحضر كلامه معه أحد سواه، وكذلك محادثته مع الأنبياء.

قال القرشى: إنما كلم الله موسى بإيَّاه، ولو كلمه على حد العظمة لذاب وصار لا شىء.

قال الواسطى رحمة الله عليه: لما غاب موسى عن أنفاسه وحركاته وقام مقام الانفراد مع الله ناداهإِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ } [القصص: 30].

قال جعفر فى قوله: { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا } قال: الميقات طلب الرؤية.

وقال جعفر: سمع كلامه خارجًا عن بشريته وأضاف الكلام إليه، وكلَّمه من نفسه موسى وعبوديته فغاب موسى عن نفسه وفنى عن صفاته، وكلَّمه ربه من حقائق معانيه، فسمع موسى صلى الله عليه وسلم من ربه ومحمد صلى الله عليه وسلم سمع من ربه صفة ربه، وكان أحمد المحمودين عند ربه، ومن هذا كان مقام محمد صلى الله عليه وسلم المنتهى، ومقام موسى عليه السلام الطور، ومنذ كلم الله موسى على الطور أفنى صفته، فلم يظهر فيه النبات ولا تمكين لأحدٍ عليه.

وقال الحسين فى قوله: { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا } قال: أزال عنه التوقيف والترتيب، وجاء إلى الله على ما دعاه إليه وأراده له وأخذه عليه وأوجده منه وأظهره عليه، ببذل الجهد والطاقات وركوب الصعب والمشقات، فلما لم تبق عليه باقية بها يمتنع، أقيم مقام المواجهة والمخاطبة وأطلق مصطنعة لسانه بالمراجعة والمطالبة، أما سمعت قوله قبل هذه الحال طالبًا منه لما طولع بحال الربوبية وكوشف بمقام الإلهية سائلاً حل عقدةٍ من لسانه ليكون - إذا كان ذلك - مالكًا لنطقه وبيانه.

وقيل: فسأل ربه شرح صدره ثم نظر إلى أليق الأحوال، وإذا هو تيسير أمره فسأل ذلك على التمام لتترقى به حاله إلى أرفع المقام وهو المجئ إلى الله بالله، لما علم أن من وصل إليه لم تعترض عليه عارضة، حينئذٍ صلح للمجئ إلى الله وحده بلا شريك ولا نظير وكان ممن وَفَّى المواقيت حقها، غابت عنه الأحوال فلم يرها وذهبت عن عينه وحضوره، وما عداها إلا ما كان للحق منه ومعه حتى تحقق بقولهقَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } [طه: 36] فهذا حال المجئ وهذا معنى قوله { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } تفرد بكلامه لأنه كان قبل ذلك مكلمًا بالسر والسفرة والوسائط، فلما رقى الله به إلى المقام للأجل وحققه بالحال الأعظم الأرفع، خاطبه مكلمًا على الكشف، وغيَّبه عن كل عين رائية ومرئية وكل صورة مكونة ومنشئة إلا ما كان من المُكَلِّم والمُكَلَّم، وأفرد الله عبده بالشرف الأعظم فسمع خطابًا لا كالمخاطبات ومناج منه وله عند ذلك طلب لا كالمطالبات، واقتضى من الله ما لم تكن قبل يقتضيه، فلذلك سأل النظر إليه إذ رجع إلى حقيقته فرأى الله فى كل منظور ومبصر، فلما تحققت له هذه الأحوال { قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } فإنى فى كل مرادى راجع إليك، أى أرنى ما شئت فلست أرى غيرك مقابلى، إذ تحققت بما حققتنى به إنك غير مزايلى ألم يدلك على ذلك خطابه ورجوعه إليك إذ ذاك جوابه أرنى فإليك أنظر وأحضر ما شئت فلست غيرك أحضر بعد أن تحققت منك بحالٍ توجب لى منك ذاك، وحق لمن تحقق بهذا وتمكن فيه أن ينفرد بسؤال لا تشاركه فيه الخليقة.

السابقالتالي
2 3